- مينرفا
- "قصة قصيرة"
1
الساعة تجاوزت منتصف الليل بقليل..
الطريق شبه خالية من المارة..
الجو قارس البرودة رغم أن عجلة الزمن قابعة في شهر أغسطس..
كلاب ضالة هنا وهناك تثير الضوضاء بنباحها المرتفع..
جسد نحيل يعتليه شعر أنثوي غزير يسرع الخطي في الطريق..
هي تلتفت حولها في كل لحظة مائة مرة، وفي كل التفاتة تسرع الخطي أكثر فأكثر..
لا أحب أبدا أن أعود إلى المنزل في هذا الوقت المتأخر من الليل فأنا أخاف من الكلاب، وما أسوأ أن تخاف، لكنها ظروف عملي التي تجبرني على التعرض لمثل هذه المواقف الكريهة..
الكلاب تتربص بها.. تزمجر.. يسيل لعابها.. هي تسرع الخطي..
هاهو المنزل.. فيلا قديمة مهجورة تحيط بها حديقة مليئة بالأشجار التي تثير الخوف أكثر مما تثير البهجة.. الجو النفسي المحيط أجبرها على الخوف من كل شئ حتى من نفسها.. وضعت إصبعها على الجرس الموضوع بجوار الباب الخارجي حتى سمعت صوت أقدام الحارس وهو يعدو ويفتح الباب بصرير مزعج.. دلفت إلى الحديقة بسرعة ثم تنفست الصعداء.. لم تهتم برد تحية الحارس التي ألقاها وهو يغلق الباب بالصرير نفسه.. سارت خطوات قليلة قبل أن تفتح باب الفيلا.. دلفت إلى الردهة.. ثم..
من أنت؟..
صرخت بهذه العبارة في خوف شديد وهي تطالع وجها غريبا تراه لأول مرة.. رجل غريب يرتدي بيجامة وكأنه بمنزله ويجلس على المقعد الوثير المواجه للتليفزيون.. كيف دلف إلى هنا هذا الغريب؟.. من يكون؟.. وماذا يفعل إذن هذا الحارس الأحمق؟..
الرجل يحملق في وجهها بدهشة شديدة وكأن المفاجأة قد أصابته مثلما أصابتها.. الإجابة تأخرت..
من أنت؟..
رددت السؤال هذه المرة وقد كست نبرة صوتها بشيء من الحدة ونفاد الصبر..نظر إلى عينيّ بقوة وهو يقول في جزع:
هل جننت يا مينرفا؟..
كانت تهم بقول شيء ما، لكن المفاجأة ألجمت لسانها وجعلتها تتساءل في دهشة:
كيف عرفت اسمي؟..
بدا أن صبر الرجل قد نفد فصاح قائلا:
مينرفا.. أنا والدك.. ألا تعرفينني؟..
قنبلة انفجرت في رأسي.. من هذا الرجل؟.. كيف يجرؤ على هذا القول؟.. صحت في حدة:
كف عن هذا الهراء أيها الأحمق.. أنا لا أعرفك.. فلتخرج في الحال قبل أن استدعي الحارس فـ....
قاطعها بحدة قائلا:
مينرفا.. ماذا بك؟.. كنت على خير ما يرام حين تركت المنزل صباحا..
نظرت إليه نظرة خالية من كل مغزى..
ماذا يحدث؟.. هل هو حلم مزعج؟.. عدوت إلى الخارج فجأة لأنادي الحارس، فجاءني وهو يعدو على عجل..يبدو أنني أيقظته من منامه.. في العادة أشعر بالندم لكني في اللحظة الراهنة لا أشعر بشيء على الإطلاق..
تبا لك أيها الأحمق.. ما وظيفتك هنا يا رجل؟.. كيف دخل هذا اللص إلى المنزل؟..
بدت إمارات الجزع على وجه الحارس وهو يستل البندقية من وراء ظهره ويقول:
هل هناك لص بالمنزل يا سيدتي؟..
دلف إلى الردهة وأنا خلفه، نظر إلى الرجل الغريب وهو يقول:
أين هذا اللص يا سيدي؟..
رمقني الرجل بنظرة غريبة.. كان كل شئ يبدو وكأنه فصول من حلم ساخر مزعج.. ضحكت ضحكة ساخرة.. يبدو أنني قد أصبت بالجنون حقا..
نظر والدي المزعوم إلى الحارس وقال في لهجة آمرة:
انصرف يا رضوان..
ولكن اللص..
قلت انصرف يا رضوان..
وزع رضوان بعض النظرات الحائرة على وجه الرجل وعلى وجهي قبل أن ينصرف ويغلق الباب وراءه..
مينرفا.. هل أنت متعبة؟..
لحظت نبرة حنان غريبة تغلف كل حرف من حروف عبارته..
هل من الممكن أن يكون والدها حقا؟..
نقبت في ذاكرتها عن صورة والدها فلم تجد ملامح محددة.. وجدت شخصا ثائرا باستمرار.. قاس هو والدها.. نعم.. القسوة.. الثورة.. الغضب.. تذكري يا مينرفا.. لا.. لا توجد ملامح.. هذا ما أدركته عنه طيلة السنوات الماضية.. هل أنت متأكدة؟.. نعم.. أقسم برب هذا الكون..
كم أبغض ضرب الزوجات.. رجل يضرب زوجته بهستيرية.. طفلة تعدو من فرط الخوف.. ما أسوأ أن تخاف!!..
هل تعلم أن ضرب الأطفال يولد لديهم الخوف؟.. هل تعلم أنني لن أضرب أطفالي أبدا في المستقبل؟.. تربية سقيمة.. ذكريات أليمة.. لا أتذكر ملامح محددة..
مينرفا.. ألا تتذكرينني؟.. كم أنا تعيس إذن..
ردت هي بتلقائية:
لا أتذكر ملامح محددة..
يخلو المسرح من المشاهدين.. لا يبقي في الكادر سوي مينرفا والرجل الغريب أو الأب المزعوم..
كلا.. أنت لست والدي..
الكاميرا تقترب من وجه الرجل حتى يملأ وجهه الشاشة.. الدموع تترقرق بعينيه.. يقول:
مينرفا....
هناك أيضا مشكلة المعرفة والإدراك.. هل الحقيقة هي ما تدركه؟.. هل هناك حقيقة موضوعية مستقلة عن الذات العارفة؟.. مينرفا تدخل المنزل فترى رجلا.. هي تدرك أنه ليس والدها، لكنه يدعي العكس.. ما الحقيقة؟.. فكر بالأمر أيها القارئ فربما يكون هذا هو مقصدي من تلك القصة السخيفة.. ليس المهم الحقيقة الموضوعية وإنما الأهم الحقيقة التي تحياها.. هذا إن كانت هناك حقيقة.. انتفى العلم..
هل جننت يا مينرفا؟..
هل من الممكن أن يكون هذا مجرد حلم؟.. الدموع بعينيه.. لكن والدي لم يكن يبكي أبدا.. لم أره يبكي مرة واحدة في حياتي..
غاب الرجل عن نظرها لحظات.. ثم عاد إلى الكادر مرة أخرى وهو يحمل بيده صورة.. نظرت إليها فوجدت العجب العجاب.. الرجل وأنا بجواره.. يضع يده عليّ بطريقة أبوية.. يبدو أنها الحقيقة الغائبة.. لقد جننت حتما..
حسنا.. أصدقك..
قالتها مينرفا وغابت عن الوعي في الحال..
2
هل شككت في وجودك كإنسان؟..
ما دام والدها قد صار حقيقة واقعة فليس أمامها إلا أن تشك في وجودها..
قال بيركلي: الموجود إما أن يدرِك أو أن يدرَك..
لا أستطيع إدراك ذاتي ولا أدرك ما حولي على النحو الذي يبدو صحيحا.. إذن أنا غير موجود.. وليذهب ديكارت إلى الجحيم..
أيام تمضي..
مينرفا مع والدها الذي فرضته الوقائع الموضوعية وأبته ذاتها المدركة.. نبع من الحنان.. كل يوم تعود من عملها فيقضي معها نحو ساعة يسأل عن أحوالها، يطمئن عليها.. قبل النوم يطبع على جبينها قبلة.. نبع من الحنان الذي لم تعتده مينرفا من قبل..
أتعرض لكثير من المضايقات في العمل..
هكذا شكت إليه مينرفا في أحد الأيام وقضت بعدها نحو ساعة تثنيه عن الذهاب إلى مقر عملها لفعل اللازم.. كان مصرا على مساعدتها بأي شكل..
في أحد الأيام وعند القبلة المسائية على جبينها شعرت مينرفا بلذة.. فلتموتي أيتها الفكرة الساقطة..
أحببته.. نعم.. أحببته.. كان كالنسمة الرقيقة التي ظهرت بعد العاصفة.. أية عاصفة تلك؟.. لا أتذكر..
بدأت مينرفا تتعود على أن تتواجد في حجرة الطعام في أوقات الفطور والغذاء والعشاء كي تتناول الطعام مع هذا الرجل.. تجلس بجواره تتأمله وهو يتناول طعامه.. بدأت تدرك ملامحه.. الشيب بدأ يخط شعره.. وجهه تبدو عليه إمارات الوسامة.. جسمه مثال للرجولة الكاملة... هكذا أحسست!!..
الحقيقة هي ما تدركه..
تعودت أن يقوم أحيانا بإطعامها بيديه.. خذي تلك القطعة لأجل خاطر بابا.. برافو مينرفا..
في كل يوم جديد تشعر مينرفا بمزيد من الانجذاب نحو هذا الرجل..
عيادة طبيب نفساني.. مينرفا مستلقية أمام الطبيب..
ألا تتذكرين حياتك قبل رؤيته؟.. أرجوك ركزي قليلا..
اغمضي عينيك يا مينرفا.. أيتها الساقطة..
مينرفا (تفتح عينيها فجأة):
كأنها سراب يا دكتور.. لا شيء على الإطلاق.. مجرد هباء..
الطبيب (عاقدا حاجبيه):
كيف عرفت طريق منزلك إذن في تلك الليلة؟..
مينرفا (في عصبية بالغة):
ما هذا الغباء يا دكتور؟.. أقصد أنني لا أتذكر ملامح محددة.. مجرد أفكار هلامية غير محددة المعالم..
هل أحببت والدك؟..
مينرفا (وقد نفد صبرها):
إنه ليس والدي..
تخفت الإضاءة رويدا رويدا حتى تغرق مينرفا في ظلام دامس..
في أحد الأيام كانت مينرفا تشاهد التليفزيون مع هذا الرجل، وبلا كلام وضع رأسها على صدره حتى غرقت في السبات..
مينرفا نائمة في حجرتها.. يدخل الرجل.. يضع عليها الغطاء.. نشعر مينرفا برعشة غريبة تهز كيانها..
الساعة تجاوزت منتصف الليل بقليل..
مينرفا تتململ في نومها.. تنهض مينرفا.. تتذكر ما كانت تحلم به.. تبتسم.. كانت تحلم أنها بين أحضان هذا الرجل.. والدها المزعوم..
أيتها الفاجرة..
نطق القاضي بهذه العبارة في حدة بالغة.. تتسلط أضواء المسرح كلها على وجهه البدين.. مينرفا داخل قفص من حديد.. تتمتم في حدة مماثلة:
لست فاجرة..
يصرخ القاضي:
المجتمع والدين والله.. كل شيء يصرخ بخطيئتك.. ابنة تتعشق والدها..
تهتف مينرفا في ثبات:
ليس والدي..
يهتف القاضي في سخرية:
كفي عن هذا الهراء.. تكفي البطاقة الشخصية..
أيها المجتمع الأحمق.. الحقيقة ليست بهذا الوضوح..
يهتف الجمهور والدين والله:
فلتذهب مينرفا إلى الجحيم..
نهضت مينرفا من نومها، نظرت إلى وجهها في المرآة.. لا بأس..
هل ألبس الروب؟..لا داع..
فتحت باب الحجرة بهدوء ثم سارت بخطوات مرتعشة إلى حجرة الرجل.. كان قلبها يكاد يخرج من ضلوعها من شدة خفقانه..
فتحت باب حجرته فلم تجده نائما في فراشه، وبينما هي تجيل نظرها في أنحاء الحجرة بحثا عنه سمعت صوته العذب يقول:
مينرفا.. ماذا أقلقك أثناء نومك؟..
حركت عنقها بسرعة بالغة نحو مصدر الصوت فوجدته جالسا في مقعده بجوار الفراش وبيده سيجارة مشتعلة.. شعرت بقلبها قد غاص في أعماقها بمجرد رؤيته.. تمتمت في بطء:
لا شيء.. فقط أردت أن أطمئن عليك..
كانت تنطق عبارتها وهي تسير نحوه، فلما انتهت منها كانت قد صارت بجواره.. كان يهم بقول شيء فوضعت كفها على فمه في رقة وهي تقول بصوت خافت جدا:
لا تتكلم..
ثم مدت يدها إلى السيجارة فالتقطتها وأخمدت نيرانها في الطقطوقة وهي تهمس:
ألم أطلب منك أن تكف عن شرب السجائر؟.. لماذا لا تعتني بصحتك؟..لماذا لا تنفذ ما أطلبه منك؟..
ابتسم الرجل ابتسامة خفيفة وبدا أنه لا يجد ما يقوله..
قاومي رغبتك يا مينرفا.. كلا.. ولم لا أطلق لرغباتي العنان؟..
لماذا قتلت والدك إذن يا مينرفا؟
هتف القاضي بهذا السؤال وهو يوجه إصبعه نحو مينرفا في قفصها.. الأضواء مسلطة على وجهه البدين..
مينرفا (تلوح بيديها في خوف):
ليس والدي.. لم أقتله..
القاضي (في إصرار):
بل قتلته..
مينرفا (وهي تبكي):
لا.. كنت أريده أن يبقي معي أبد الدهر.. لقد منحته الخلود..
بل قتلته.. يكفي تقرير الطبيب الشرعي..
أيها المجتمع الأحمق.. الحقيقة ليست بهذا الوضوح..
يهتف الجمهور والدين والله:
فلتذهب مينرفا إلى الجحيم..
انحنت مينرفا على وجه الرجل.. اقتربت بوجهها من وجهه.. أصبحت تشم رائحة بشرته.. تشعر بأنفاسه التي تشعل النار بداخلها.. الرجل يشعر بالتوتر والاستغراب..
"مينرفا"..
أخذ يرددها عدة مرات..
وغرقت مينرفا.. لم تسمع شيئا.. كانت تقبله.. تتذوق فمه.. وجهه.. عنقه.. تشعر بمقاومة ما.. لم تعرها اهتماما.. كانت غارقة..
يالك من رجل!!.. رجل بكل معنى الكلمة.. كم أنا سعيدة.. سعيدة.. اقتربت بجسدي من جسده حتى التحمنا في كيان واحد.. بدأت أخلع ثوب النوم.. أفك الأزرار.. أتحرر من القيود.. يظلم المسرح..
وفجأة.. تشتعل الأضواء.. صفعة قوية على وجه مينرفا.. تفيق.. تفيق.. تنظر إلى وجهه.. تراه مشتعلاً بحمرة الغضب الشديد.. لا تخافي يا مينرفا..
يصرخ قائلا:
مينرفا.. ماذا أصابك؟.. أنا والدك..
تصرخ:
لست والدي.. لست والدي..
قالتها مينرفا وغابت عن الوعي في الحال..
3
"أيها الرب.. فلتغفر لمينرفا الخاطئة خطاياها.. لا تحرمها من محبتك.. كن بجوارها في كل لحظة يا رب.. فأنت الحق والطريق والحياة.. آمين"..
هكذا سمعت مينرفا حبيبها يردد أثناء صلاته في وقت متأخر من الليل..
كانت حياتها قد تغيرت بعض الشيء منذ الخطيئة.. الرجل قام بعرضها على طبيب نفساني في اليوم التالي للحادث.. الطبيب سألها بعض الأسئلة السخيفة ثم انفرد بالرجل كي ينصحه بعض النصائح.. وفي كل ذلك كانت مينرفا تشعر بالملل والضجر والرغبة في الانتحار..
الكارثة أن الكل يعتقد أنه والدها حقا ولا أحد يعترف بأنها هي وحدها على حق..
تذكر أيها القارئ أن الحقيقة هي ما تدركه..
تغير حبيبها.. صار متحفظاً في إظهار حنانه وحبه.. صار أكثر برودا.. فترت مشاعره القوية تجاهها.. وعلى الرغم من خطيئته تلك ظلت مينرفا الفاضلة على حبها وإخلاصها ووفائها.. مستعدة لفعل أي شيء كي تكسب رضاه عنها وتجعله سعيداً..
تلك هي التضحية والوفاء!!..
"حفظك الله يا مينرفا الطاهرة"...
دعاء رددته الملائكة في أذن مينرفا أثناء نومها..
مينرفا.. تلك المحبة العاشقة الطاهرة في حبها.. أحبت فأخلصت وسامحت.. غفرت كثيراً جداً لمحبوبها رغم أنه رماها بالخطيئة وادعي كذباً أنه والدها.. غفرت له كل الخطايا.. ظلت على طهرها ونقائها..
حلقة من التلاميذ تلتف حول مينرفا.. يتساءلون:
أيتها القديسة مينرفا.. ما أهم وصاياك لنا؟
مينرفا (في حكمة بالغة):
الوفاء.. لا شيء سوي الوفاء.. اغفر خطايا المحبوب..
هل يمكن للإنسان أن يعرف؟..
يمكن له أن يعرف ما يدركه.. الحقيقة غائبة عن الجميع.. فما يدركه حقيقة له لكنه ليس الحقيقة..
الساعة تجاوزت منتصف الليل بقليل..
مينرفا تنهض من فراشها كي تنفذ ما عزمت عليه.. الوفاء..
تهبط درجات السلم ببطء.. تلقي نظرة عابرة على حجرة المكتب فتجد الرجل منهمكا في القراءة.. لا توقف مسيرها وإنما تسرع الخطي نحو المطبخ..
مطبخ واسع المساحة.. ليل داخلي..
مينرفا تعد كوباً من عصير البرتقال لحبيبها.. تصب شيئاً ما من برطمان صغير داخل الكوب.. تقلب.. تقلب..
دقات ساعة.. ترقب..
تتسلط الأضواء على عبارة مكتوبة على البرطمان: سم..
تعلو موسيقي المسرح بشكل فجائي يجعل المشاهدين يفيقون في جلستهم.. طفل صغير يبكي من الفزع..
مينرفا.. ماذا تفعلين أيتها الشيطانة؟.. هل جننت؟.. هل ستقتلين؟..
وا حسرتاه عليك أيتها البتول الطاهرة.. ما أسوأ مصيرك!..
موسيقي حزينة تثير الشجن تهز جوانب المسرح..
مينرفا لا تستحق هذه النهاية!!..
دخلت مينرفا حجرة المكتب وبيدها الكوب.. تمتمت:
مساء الخير..
رفع عينه إليها ثم ابتسم ابتسامة واسعة قائلا:
مساء النور مينرفا.. هل استيقظت من نومك خصيصا كي تعدي لي هذا الكوب؟..شكراً جزيلاً لك..
يالك من ساذج حسن النية!!..
مينرفا تبتسم كالملاك الشيطاني.. تكشف عن أسنانها الطاهرة كالعنقاء الماكرة.. تقول في حنان ربما اعتبره بعض المشاهدين مصطنعاً:
عفوا.. أنا قد أفعل أي شئ كي تكون سعيداً..
ملاك أم شيطان؟..لا يهم.. هي ملاك وشيطان.. هذا كان رأي المشاهدين بعد نهاية العرض..
الكاميرا تقترب من الكوب حتى يملأ الشاشة كلها.. يرتشفه الرجل رويداً رويداً.. ترتفع الموسيقي.. يظلم المسرح..
ضوء مسلط على مينرفا داخل القفص..
القاضي (موجهاً حديثه للحارس):
ألم تلحظ اختفاء والدها؟..
الحارس:
نعم سيدي.. لكنها منحتني إجازة عدة أيام وعندما عدت دخلت إلى المنزل خلسة فوجدت العجب العجاب..
القاضي (في فضول):
ماذا وجدت؟..
وجدت أباها جثة لا تتحرك وهي.. أستغفر الله العظيم.. وهي تمارس الجنس معه..
القاضي (موجها حديثه لمينرفا):
تقرير الطبيب الشرعي يؤكد أنك قمت بتحنيطه..
(ثم وهو يهز رأسه من التعجب):
ابنة تقتل والدها ثم تحنط جثته وتمارس الجنس معه.. يا للخطيئة..
"صبي أيتها الآلهة جام غضبك على تلك الساقطة.. مينرفا.. احرقها يا رب في جهنم.. آمين"..
دعاء يردده الكورس في المسرح.. موسيقي جنائزية مهيبة..
مينرفا تصرخ:
ليس والدي.. لقد منحته الخلود.. أحببته وأخلصت له.. لست ساقطة..
صدي صوت مينرفا وهي تردد عبارة "ليس والدي.. لست ساقطة" يهز جنبات المسرح.. يظلم المسرح..
حديقة غناء بها ورود وأشجار.. أصوات العصافير تدغدغ المشاعر الإنسانية..
ضوء يسطع فجأة على مينرفا مع حبيبها..
"شكراً لأنك فعلت بي هذا.. لقد أفقت من غروري"..
تمتم حبيبها بهذه العبارة في حنان وهو يداعب خصلات شعرها..
أطرقت مينرفا وقد احمرّ وجهها بحمرة الخجل ثم قالت:
كان لابد أن أقتلك كي نبقي معاً في عدن..
قبلة حارة طبعها على شفتيها.. موسيقي حالمة..
ضوء يسلط فجأة على وجه القاضي وهو يقول:
حكمت المحكمة على مينرفا بالإعدام شنقاً..
"أيتها القديسة مينرفا.. اغفري خطايا العالم.."
"فلتذهبي إلى الجحيم جزاء ما اقترفته من آثام.."
أصوات عديدة تهز المسرح بينما مينرفا مع حبيبها.. قبلة النهاية.. تنام بين ذراعيه.. تغرد الأطيار..
"الحقيقة ليست سوى ما تدركه".."أيتها الآلهة اغفري خطاياها فإنها لا تعرف"..
"أيها الرب فلتغفر لمينرفا الخاطئة خطاياها.. لا تحرمها من محبتك.. كن بجوارها في كل لحظة يا رب.. فأنت الحق والطريق والحياة.. آمين"..
"It was just a love story"..
ستار....
محمد عبد الرحمن صالح
القاهرة: ١٠ أغسطس ٢٠٠٢
No comments:
Post a Comment