Monday, April 25, 2011

(التخطي والحدود والحرية - حول ماهية الأخلاق (قصة قصيرة

وقف يرص السجلات القديمة المتربة بيديه المعروقتين على الأرفف المتهالكة والسيجارة لا تفارق فمه. تمتم بصوت لا يكاد يسمع:

  • - الله يلعن أبوهم عالم ولاد كلب.. كمبيوتر قال وأطران على دماغهم وفي الآخر أنا اللي أنظم وأرتب..

بدا عليه الضيق الشديد وهو يبحث عن مكان إحدى السجلات بإصرار ثم يأس. مرت ثوان معدودة من البحث حتى وضع السجل على رف عشوائي وهو يسب ويلعن قائلا:

  • - إنت هتقرف أمي ليه؟ أهه اتنيل خليك هنا لحد ما يبان لك صاحب..

نفض يديه من الأتربة وأطفأ نور المخزن وهو يخرج من الحجرة. أغلق الباب بالمفتاح عندما سمع صوتها الخافت تقول:

  • - داهية تاخدك يا بعيد.. بقى أنت يا منيل بتنصب علي؟

تحول الضيق البالغ على وجهه إلى ابتسامة واسعة وقال بصوت ناعم:

  • - وفاء.. ازيك؟

لم يبد عليها التأثر بابتسامته. قالت بإصرار:

  • - بقولك إيه يا زفت الطين.. الحركات بتاعتك دي مش هتخيل عليّ.. إنت صحيح خدت فلوس مكافأة من ورانا؟

قال بتلقائية:

  • - من ورا مين؟
  • - اللهم طولك يا روح.. من ورايا أنا وبقية رؤساء المخازن.. عرفت إنك خدت فلوس من الراجل اللي جه يعمل شجرة عيلة..
  • - يا حول الله يا رب من الإشاعات.. وإنتي برضه تصدقي الكلام ده عليّ يا حاجة؟.. وإن جاءكم فاسق..

قاطعته قائلة:

  • - متعمليش فيها عمر بن الخطاب.. والله ما فاسق إلا إنت.. وبعدين لخص وجيب الفلوس بدل ما أعلي صوتي وأجيب لك جرجس وعبد الكريم..
  • - يا وفاء والمصحف الشريف ما خدت حاجة..
  • - يا داهيتي عليك راجل.. بتحلف كدب؟.. إنت يا راجل مش مكسوف من نفسك؟ ده إنت بنتك على وش جواز..
  • - يا وفاء ده احنا عشرة عمر.. معقولة يعني أعمل الكلام اللي بتقولي عليه ده؟
  • - ما هو احنا علشان عشرة عمر لزماً أصدق.. هو إنت يعني أول ولاّ آخر مرة تعملها؟.. اخص عليك راجل.. والله عمرك ما هتتغير.. طول عمرك وحش في موضوع الفلوس.. عادتك ولا هتشتريها؟

بدا عليه نفاد الصبر. تلفت حوله في حذر قبل أن يقول بصوت خفيض:

  • - يا ولية حرام عليكي والله.. دول ملاليم.. إنتي بس فاكرة إن تحت القبة شيخ.. أنا لو الموضوع مستاهل والله كنت قلت.. هو أنا يعني من امتى باخبي؟
  • - خش في عبي يا واد.. الراجل شكله مستريح..
  • - بلا نيلة ده إيحة.. الموضوع كله عشرة جنيه عُمي.. شفتي بقى إنك عاملة قصة من غير قصة؟
  • - بقولك إيه؟ وديني شكلك ما هتجيبها لبر.. عشر مصايب لما يلهفوك.. إيدك على خمسين جنيه.. وبعدين احنا لازم نقول لجرجس وعبد الكريم.. الحق حق..

احتد صوته قائلا:

  • - خمسين إيه وزفت إيه؟.. وبعدين جرجس مين؟.. إنتي عاوزة تدخلي الصليبي ده بيننا ليه؟ ده حتى حرام..
  • - يا راجل والله ده إنت هتشيل ذنوب بشعر راسك.. جرجس عمره ما بيتأخر على حد فينا.. والراجل طول عمره في حاله.. لكم دينكم ولي دين..
  • - طيب ياللا يا اختي خلي جرجس ينفعك.. وبعدين أنا اللي تعبت في شجرة عيلة ابن الكلب ده.. خدي العشرين جنيه وكل سنة وانتي طيبة يا أم علاء.. ورحمة أمي ما اخدت غير خمسين جنيه.. يعني كده قسمة حق..

تأففت قائلة في يأس:

  • - عمري ما بعرف أغلبك يا ابن اللئيمة..

قالتها وهي تخطف العشرين جنيها من يده في خفاء. قال في تلطف:

  • - بس أخبار علاء إيه؟ كلمتي المدير عليه؟

علا وجهها حزن مفاجئ. قالت بتأثر:

  • - والله الواد يا كبدي من غير شغل بقاله أهه أكتر من خمس سنين.. يعني علام ومصاريف وجامعة وفي الآخر يقعد جنب أمه.. والنبي ده في شرع مين؟.. رحت كلمت المدير قاللي لأ يعني هو كل واحد هيجيب واسطة علشان يشغل ابنه في الحتة اللي هو فيها؟ دي كده هتبقى عزبة.. وقعد يديني محاضرة في مكارم الأخلاق..

تنهد وهو يقول:

  • - ما هو ده شرع الحكومة.. هي بس اللي تسرق وتتوسط.. داهية تاخدهم كلهم..

رفع صوته قائلا:

  • - صباح الفل يا كلب.. عامل إيه يا عبد الرحيم؟

رد عبد الرحيم بصوته الجهور المتحشرج:

  • - مش بارتاح أنا للكلام المداري اللي على جنب ده.. بتقسموا طبعا.. وأنا مش لاقي تمن جزمة بدل اللي اتهربدت دي..

ردت وفاء بنبرة ضاحكة:

  • - الله يهدك يا عبد الرحيم.. يا خويا نقسم إيه وبتاع إيه؟.. هو الواحد فينا لو كان بيقسم كان هيبقى ده حالنا..

ثم بسخرية:

  • - وبعدين يا خويا إنت مش ناوي تعتق الجزمة دي صحيح؟.. دي من عمر علاء..

رد عبد الرحيم ضاحكا:

  • - والله بافكر أغيرها يا أم علاء بس خايف علاء يزعل..

ثم غامزا:

  • - بتوهي المواضيع وباعديها بمزاجي.. بس وديني المرة الجاية ما هاسيبكم.. ولاّ يعني علشان بقيت فراش أضيع في الرجلين؟.. لا ده أنا بكالوريوس آداب بس هو الزمن اللي ندل وخلاني كده..

رد عليه قائلا:

  • - يا عم حل عن نافوخنا بقى بالبكالوريوس بتاعك ده.. ويعدين اللي خلاك كده زفارة لسانك مش الزمن ولاّ نسيت الشتايم اللي قلتها لسعاد يوميها واتنقلت بسببها؟.. ده كتر خيرهم إنهم سابوك بتشتغل بدل ما يمشوك..
  • - ماشي يا عم المحترم..

ثم بصوت جهور موجه للجميع الذي لم يكن حاضرا:

  • - أهه قاعدين يهزءوني علشان ظبطهم وهم بيسرقوا.. سامعين يا حيوانات؟

قالها وهو يمشي مبتعدا. فقال لوفاء:

  • - ياللا أروح أنا المكتب بقى.. سلميلي على علاء..

دخل المكتب فعاجله شاب يرتدي نظارة طبية بالسؤال:

  • - يا أستاذ صادق مش احنا اتفقنا إن أي سجل لازم يتسجل هنا على الكمبيوتر الأول قبل ما يخرج من المخزن؟
  • - أيوه يا سيدي.. عاوز إيه من سي زفت صادق؟





رن تليفونه المحمول فرد قائلا:

  • - ألو.. أيوه يا محمود.. عامل إيه يا ابني؟.. كلمتك امبارح ستين مرة وإنت حالقلي.. طبعا طبعا ما أنا فاهم.. بس ضروري والنبي علشان علاء ده أمره يهمني.. يعني يا ريت بس نشبكه في الإدارة عندكم.. تمام.. تمام.. ماشي.. وعليكم السلام..


************************************

محمد صالح

لوس أنجلوس 10/4/2011


No comments:

Post a Comment