Friday, April 30, 2010

مينرفا

  1. مينرفا
    1. "قصة قصيرة"


1


الساعة تجاوزت منتصف الليل بقليل..

الطريق شبه خالية من المارة..

الجو قارس البرودة رغم أن عجلة الزمن قابعة في شهر أغسطس..

كلاب ضالة هنا وهناك تثير الضوضاء بنباحها المرتفع..

جسد نحيل يعتليه شعر أنثوي غزير يسرع الخطي في الطريق..

هي تلتفت حولها في كل لحظة مائة مرة، وفي كل التفاتة تسرع الخطي أكثر فأكثر..

لا أحب أبدا أن أعود إلى المنزل في هذا الوقت المتأخر من الليل فأنا أخاف من الكلاب، وما أسوأ أن تخاف، لكنها ظروف عملي التي تجبرني على التعرض لمثل هذه المواقف الكريهة..

الكلاب تتربص بها.. تزمجر.. يسيل لعابها.. هي تسرع الخطي..

هاهو المنزل.. فيلا قديمة مهجورة تحيط بها حديقة مليئة بالأشجار التي تثير الخوف أكثر مما تثير البهجة.. الجو النفسي المحيط أجبرها على الخوف من كل شئ حتى من نفسها.. وضعت إصبعها على الجرس الموضوع بجوار الباب الخارجي حتى سمعت صوت أقدام الحارس وهو يعدو ويفتح الباب بصرير مزعج.. دلفت إلى الحديقة بسرعة ثم تنفست الصعداء.. لم تهتم برد تحية الحارس التي ألقاها وهو يغلق الباب بالصرير نفسه.. سارت خطوات قليلة قبل أن تفتح باب الفيلا.. دلفت إلى الردهة.. ثم..

من أنت؟..

صرخت بهذه العبارة في خوف شديد وهي تطالع وجها غريبا تراه لأول مرة.. رجل غريب يرتدي بيجامة وكأنه بمنزله ويجلس على المقعد الوثير المواجه للتليفزيون.. كيف دلف إلى هنا هذا الغريب؟.. من يكون؟.. وماذا يفعل إذن هذا الحارس الأحمق؟..

الرجل يحملق في وجهها بدهشة شديدة وكأن المفاجأة قد أصابته مثلما أصابتها.. الإجابة تأخرت..

من أنت؟..

رددت السؤال هذه المرة وقد كست نبرة صوتها بشيء من الحدة ونفاد الصبر..نظر إلى عينيّ بقوة وهو يقول في جزع:

هل جننت يا مينرفا؟..

كانت تهم بقول شيء ما، لكن المفاجأة ألجمت لسانها وجعلتها تتساءل في دهشة:

كيف عرفت اسمي؟..

بدا أن صبر الرجل قد نفد فصاح قائلا:

مينرفا.. أنا والدك.. ألا تعرفينني؟..

قنبلة انفجرت في رأسي.. من هذا الرجل؟.. كيف يجرؤ على هذا القول؟.. صحت في حدة:

كف عن هذا الهراء أيها الأحمق.. أنا لا أعرفك.. فلتخرج في الحال قبل أن استدعي الحارس فـ....

قاطعها بحدة قائلا:

مينرفا.. ماذا بك؟.. كنت على خير ما يرام حين تركت المنزل صباحا..

نظرت إليه نظرة خالية من كل مغزى..

ماذا يحدث؟.. هل هو حلم مزعج؟.. عدوت إلى الخارج فجأة لأنادي الحارس، فجاءني وهو يعدو على عجل..يبدو أنني أيقظته من منامه.. في العادة أشعر بالندم لكني في اللحظة الراهنة لا أشعر بشيء على الإطلاق..

تبا لك أيها الأحمق.. ما وظيفتك هنا يا رجل؟.. كيف دخل هذا اللص إلى المنزل؟..

بدت إمارات الجزع على وجه الحارس وهو يستل البندقية من وراء ظهره ويقول:

هل هناك لص بالمنزل يا سيدتي؟..

دلف إلى الردهة وأنا خلفه، نظر إلى الرجل الغريب وهو يقول:

أين هذا اللص يا سيدي؟..

رمقني الرجل بنظرة غريبة.. كان كل شئ يبدو وكأنه فصول من حلم ساخر مزعج.. ضحكت ضحكة ساخرة.. يبدو أنني قد أصبت بالجنون حقا..

نظر والدي المزعوم إلى الحارس وقال في لهجة آمرة:

انصرف يا رضوان..

ولكن اللص..

قلت انصرف يا رضوان..

وزع رضوان بعض النظرات الحائرة على وجه الرجل وعلى وجهي قبل أن ينصرف ويغلق الباب وراءه..

مينرفا.. هل أنت متعبة؟..

لحظت نبرة حنان غريبة تغلف كل حرف من حروف عبارته..

هل من الممكن أن يكون والدها حقا؟..

نقبت في ذاكرتها عن صورة والدها فلم تجد ملامح محددة.. وجدت شخصا ثائرا باستمرار.. قاس هو والدها.. نعم.. القسوة.. الثورة.. الغضب.. تذكري يا مينرفا.. لا.. لا توجد ملامح.. هذا ما أدركته عنه طيلة السنوات الماضية.. هل أنت متأكدة؟.. نعم.. أقسم برب هذا الكون..

كم أبغض ضرب الزوجات.. رجل يضرب زوجته بهستيرية.. طفلة تعدو من فرط الخوف.. ما أسوأ أن تخاف!!..

هل تعلم أن ضرب الأطفال يولد لديهم الخوف؟.. هل تعلم أنني لن أضرب أطفالي أبدا في المستقبل؟.. تربية سقيمة.. ذكريات أليمة.. لا أتذكر ملامح محددة..

مينرفا.. ألا تتذكرينني؟.. كم أنا تعيس إذن..

ردت هي بتلقائية:

لا أتذكر ملامح محددة..

يخلو المسرح من المشاهدين.. لا يبقي في الكادر سوي مينرفا والرجل الغريب أو الأب المزعوم..

كلا.. أنت لست والدي..

الكاميرا تقترب من وجه الرجل حتى يملأ وجهه الشاشة.. الدموع تترقرق بعينيه.. يقول:

مينرفا....

هناك أيضا مشكلة المعرفة والإدراك.. هل الحقيقة هي ما تدركه؟.. هل هناك حقيقة موضوعية مستقلة عن الذات العارفة؟.. مينرفا تدخل المنزل فترى رجلا.. هي تدرك أنه ليس والدها، لكنه يدعي العكس.. ما الحقيقة؟.. فكر بالأمر أيها القارئ فربما يكون هذا هو مقصدي من تلك القصة السخيفة.. ليس المهم الحقيقة الموضوعية وإنما الأهم الحقيقة التي تحياها.. هذا إن كانت هناك حقيقة.. انتفى العلم..

هل جننت يا مينرفا؟..

هل من الممكن أن يكون هذا مجرد حلم؟.. الدموع بعينيه.. لكن والدي لم يكن يبكي أبدا.. لم أره يبكي مرة واحدة في حياتي..

غاب الرجل عن نظرها لحظات.. ثم عاد إلى الكادر مرة أخرى وهو يحمل بيده صورة.. نظرت إليها فوجدت العجب العجاب.. الرجل وأنا بجواره.. يضع يده عليّ بطريقة أبوية.. يبدو أنها الحقيقة الغائبة.. لقد جننت حتما..

حسنا.. أصدقك..

قالتها مينرفا وغابت عن الوعي في الحال..


2


هل شككت في وجودك كإنسان؟..

ما دام والدها قد صار حقيقة واقعة فليس أمامها إلا أن تشك في وجودها..

قال بيركلي: الموجود إما أن يدرِك أو أن يدرَك..

لا أستطيع إدراك ذاتي ولا أدرك ما حولي على النحو الذي يبدو صحيحا.. إذن أنا غير موجود.. وليذهب ديكارت إلى الجحيم..

أيام تمضي..

مينرفا مع والدها الذي فرضته الوقائع الموضوعية وأبته ذاتها المدركة.. نبع من الحنان.. كل يوم تعود من عملها فيقضي معها نحو ساعة يسأل عن أحوالها، يطمئن عليها.. قبل النوم يطبع على جبينها قبلة.. نبع من الحنان الذي لم تعتده مينرفا من قبل..

أتعرض لكثير من المضايقات في العمل..

هكذا شكت إليه مينرفا في أحد الأيام وقضت بعدها نحو ساعة تثنيه عن الذهاب إلى مقر عملها لفعل اللازم.. كان مصرا على مساعدتها بأي شكل..

في أحد الأيام وعند القبلة المسائية على جبينها شعرت مينرفا بلذة.. فلتموتي أيتها الفكرة الساقطة..

أحببته.. نعم.. أحببته.. كان كالنسمة الرقيقة التي ظهرت بعد العاصفة.. أية عاصفة تلك؟.. لا أتذكر..

بدأت مينرفا تتعود على أن تتواجد في حجرة الطعام في أوقات الفطور والغذاء والعشاء كي تتناول الطعام مع هذا الرجل.. تجلس بجواره تتأمله وهو يتناول طعامه.. بدأت تدرك ملامحه.. الشيب بدأ يخط شعره.. وجهه تبدو عليه إمارات الوسامة.. جسمه مثال للرجولة الكاملة... هكذا أحسست!!..

الحقيقة هي ما تدركه..

تعودت أن يقوم أحيانا بإطعامها بيديه.. خذي تلك القطعة لأجل خاطر بابا.. برافو مينرفا..

في كل يوم جديد تشعر مينرفا بمزيد من الانجذاب نحو هذا الرجل..

عيادة طبيب نفساني.. مينرفا مستلقية أمام الطبيب..

ألا تتذكرين حياتك قبل رؤيته؟.. أرجوك ركزي قليلا..

اغمضي عينيك يا مينرفا.. أيتها الساقطة..

مينرفا (تفتح عينيها فجأة):

كأنها سراب يا دكتور.. لا شيء على الإطلاق.. مجرد هباء..

الطبيب (عاقدا حاجبيه):

كيف عرفت طريق منزلك إذن في تلك الليلة؟..

مينرفا (في عصبية بالغة):

ما هذا الغباء يا دكتور؟.. أقصد أنني لا أتذكر ملامح محددة.. مجرد أفكار هلامية غير محددة المعالم..

هل أحببت والدك؟..

مينرفا (وقد نفد صبرها):

إنه ليس والدي..

تخفت الإضاءة رويدا رويدا حتى تغرق مينرفا في ظلام دامس..

في أحد الأيام كانت مينرفا تشاهد التليفزيون مع هذا الرجل، وبلا كلام وضع رأسها على صدره حتى غرقت في السبات..

مينرفا نائمة في حجرتها.. يدخل الرجل.. يضع عليها الغطاء.. نشعر مينرفا برعشة غريبة تهز كيانها..

الساعة تجاوزت منتصف الليل بقليل..

مينرفا تتململ في نومها.. تنهض مينرفا.. تتذكر ما كانت تحلم به.. تبتسم.. كانت تحلم أنها بين أحضان هذا الرجل.. والدها المزعوم..

أيتها الفاجرة..

نطق القاضي بهذه العبارة في حدة بالغة.. تتسلط أضواء المسرح كلها على وجهه البدين.. مينرفا داخل قفص من حديد.. تتمتم في حدة مماثلة:

لست فاجرة..

يصرخ القاضي:

المجتمع والدين والله.. كل شيء يصرخ بخطيئتك.. ابنة تتعشق والدها..

تهتف مينرفا في ثبات:

ليس والدي..

يهتف القاضي في سخرية:

كفي عن هذا الهراء.. تكفي البطاقة الشخصية..

أيها المجتمع الأحمق.. الحقيقة ليست بهذا الوضوح..

يهتف الجمهور والدين والله:

فلتذهب مينرفا إلى الجحيم..

نهضت مينرفا من نومها، نظرت إلى وجهها في المرآة.. لا بأس..

هل ألبس الروب؟..لا داع..

فتحت باب الحجرة بهدوء ثم سارت بخطوات مرتعشة إلى حجرة الرجل.. كان قلبها يكاد يخرج من ضلوعها من شدة خفقانه..

فتحت باب حجرته فلم تجده نائما في فراشه، وبينما هي تجيل نظرها في أنحاء الحجرة بحثا عنه سمعت صوته العذب يقول:

مينرفا.. ماذا أقلقك أثناء نومك؟..

حركت عنقها بسرعة بالغة نحو مصدر الصوت فوجدته جالسا في مقعده بجوار الفراش وبيده سيجارة مشتعلة.. شعرت بقلبها قد غاص في أعماقها بمجرد رؤيته.. تمتمت في بطء:

لا شيء.. فقط أردت أن أطمئن عليك..

كانت تنطق عبارتها وهي تسير نحوه، فلما انتهت منها كانت قد صارت بجواره.. كان يهم بقول شيء فوضعت كفها على فمه في رقة وهي تقول بصوت خافت جدا:

لا تتكلم..

ثم مدت يدها إلى السيجارة فالتقطتها وأخمدت نيرانها في الطقطوقة وهي تهمس:

ألم أطلب منك أن تكف عن شرب السجائر؟.. لماذا لا تعتني بصحتك؟..لماذا لا تنفذ ما أطلبه منك؟..

ابتسم الرجل ابتسامة خفيفة وبدا أنه لا يجد ما يقوله..

قاومي رغبتك يا مينرفا.. كلا.. ولم لا أطلق لرغباتي العنان؟..

لماذا قتلت والدك إذن يا مينرفا؟

هتف القاضي بهذا السؤال وهو يوجه إصبعه نحو مينرفا في قفصها.. الأضواء مسلطة على وجهه البدين..

مينرفا (تلوح بيديها في خوف):

ليس والدي.. لم أقتله..

القاضي (في إصرار):

بل قتلته..

مينرفا (وهي تبكي):

لا.. كنت أريده أن يبقي معي أبد الدهر.. لقد منحته الخلود..

بل قتلته.. يكفي تقرير الطبيب الشرعي..

أيها المجتمع الأحمق.. الحقيقة ليست بهذا الوضوح..

يهتف الجمهور والدين والله:

فلتذهب مينرفا إلى الجحيم..

انحنت مينرفا على وجه الرجل.. اقتربت بوجهها من وجهه.. أصبحت تشم رائحة بشرته.. تشعر بأنفاسه التي تشعل النار بداخلها.. الرجل يشعر بالتوتر والاستغراب..

"مينرفا"..

أخذ يرددها عدة مرات..

وغرقت مينرفا.. لم تسمع شيئا.. كانت تقبله.. تتذوق فمه.. وجهه.. عنقه.. تشعر بمقاومة ما.. لم تعرها اهتماما.. كانت غارقة..

يالك من رجل!!.. رجل بكل معنى الكلمة.. كم أنا سعيدة.. سعيدة.. اقتربت بجسدي من جسده حتى التحمنا في كيان واحد.. بدأت أخلع ثوب النوم.. أفك الأزرار.. أتحرر من القيود.. يظلم المسرح..

وفجأة.. تشتعل الأضواء.. صفعة قوية على وجه مينرفا.. تفيق.. تفيق.. تنظر إلى وجهه.. تراه مشتعلاً بحمرة الغضب الشديد.. لا تخافي يا مينرفا..

يصرخ قائلا:

مينرفا.. ماذا أصابك؟.. أنا والدك..

تصرخ:

لست والدي.. لست والدي..

قالتها مينرفا وغابت عن الوعي في الحال..


3


"أيها الرب.. فلتغفر لمينرفا الخاطئة خطاياها.. لا تحرمها من محبتك.. كن بجوارها في كل لحظة يا رب.. فأنت الحق والطريق والحياة.. آمين"..

هكذا سمعت مينرفا حبيبها يردد أثناء صلاته في وقت متأخر من الليل..

كانت حياتها قد تغيرت بعض الشيء منذ الخطيئة.. الرجل قام بعرضها على طبيب نفساني في اليوم التالي للحادث.. الطبيب سألها بعض الأسئلة السخيفة ثم انفرد بالرجل كي ينصحه بعض النصائح.. وفي كل ذلك كانت مينرفا تشعر بالملل والضجر والرغبة في الانتحار..

الكارثة أن الكل يعتقد أنه والدها حقا ولا أحد يعترف بأنها هي وحدها على حق..

تذكر أيها القارئ أن الحقيقة هي ما تدركه..

تغير حبيبها.. صار متحفظاً في إظهار حنانه وحبه.. صار أكثر برودا.. فترت مشاعره القوية تجاهها.. وعلى الرغم من خطيئته تلك ظلت مينرفا الفاضلة على حبها وإخلاصها ووفائها.. مستعدة لفعل أي شيء كي تكسب رضاه عنها وتجعله سعيداً..

تلك هي التضحية والوفاء!!..

"حفظك الله يا مينرفا الطاهرة"...

دعاء رددته الملائكة في أذن مينرفا أثناء نومها..

مينرفا.. تلك المحبة العاشقة الطاهرة في حبها.. أحبت فأخلصت وسامحت.. غفرت كثيراً جداً لمحبوبها رغم أنه رماها بالخطيئة وادعي كذباً أنه والدها.. غفرت له كل الخطايا.. ظلت على طهرها ونقائها..

حلقة من التلاميذ تلتف حول مينرفا.. يتساءلون:

أيتها القديسة مينرفا.. ما أهم وصاياك لنا؟

مينرفا (في حكمة بالغة):

الوفاء.. لا شيء سوي الوفاء.. اغفر خطايا المحبوب..

هل يمكن للإنسان أن يعرف؟..

يمكن له أن يعرف ما يدركه.. الحقيقة غائبة عن الجميع.. فما يدركه حقيقة له لكنه ليس الحقيقة..

الساعة تجاوزت منتصف الليل بقليل..

مينرفا تنهض من فراشها كي تنفذ ما عزمت عليه.. الوفاء..

تهبط درجات السلم ببطء.. تلقي نظرة عابرة على حجرة المكتب فتجد الرجل منهمكا في القراءة.. لا توقف مسيرها وإنما تسرع الخطي نحو المطبخ..

مطبخ واسع المساحة.. ليل داخلي..

مينرفا تعد كوباً من عصير البرتقال لحبيبها.. تصب شيئاً ما من برطمان صغير داخل الكوب.. تقلب.. تقلب..

دقات ساعة.. ترقب..

تتسلط الأضواء على عبارة مكتوبة على البرطمان: سم..

تعلو موسيقي المسرح بشكل فجائي يجعل المشاهدين يفيقون في جلستهم.. طفل صغير يبكي من الفزع..

مينرفا.. ماذا تفعلين أيتها الشيطانة؟.. هل جننت؟.. هل ستقتلين؟..

وا حسرتاه عليك أيتها البتول الطاهرة.. ما أسوأ مصيرك!..

موسيقي حزينة تثير الشجن تهز جوانب المسرح..

مينرفا لا تستحق هذه النهاية!!..

دخلت مينرفا حجرة المكتب وبيدها الكوب.. تمتمت:

مساء الخير..

رفع عينه إليها ثم ابتسم ابتسامة واسعة قائلا:

مساء النور مينرفا.. هل استيقظت من نومك خصيصا كي تعدي لي هذا الكوب؟..شكراً جزيلاً لك..

يالك من ساذج حسن النية!!..

مينرفا تبتسم كالملاك الشيطاني.. تكشف عن أسنانها الطاهرة كالعنقاء الماكرة.. تقول في حنان ربما اعتبره بعض المشاهدين مصطنعاً:

عفوا.. أنا قد أفعل أي شئ كي تكون سعيداً..

ملاك أم شيطان؟..لا يهم.. هي ملاك وشيطان.. هذا كان رأي المشاهدين بعد نهاية العرض..

الكاميرا تقترب من الكوب حتى يملأ الشاشة كلها.. يرتشفه الرجل رويداً رويداً.. ترتفع الموسيقي.. يظلم المسرح..

ضوء مسلط على مينرفا داخل القفص..

القاضي (موجهاً حديثه للحارس):

ألم تلحظ اختفاء والدها؟..

الحارس:

نعم سيدي.. لكنها منحتني إجازة عدة أيام وعندما عدت دخلت إلى المنزل خلسة فوجدت العجب العجاب..

القاضي (في فضول):

ماذا وجدت؟..

وجدت أباها جثة لا تتحرك وهي.. أستغفر الله العظيم.. وهي تمارس الجنس معه..

القاضي (موجها حديثه لمينرفا):

تقرير الطبيب الشرعي يؤكد أنك قمت بتحنيطه..

(ثم وهو يهز رأسه من التعجب):

ابنة تقتل والدها ثم تحنط جثته وتمارس الجنس معه.. يا للخطيئة..

"صبي أيتها الآلهة جام غضبك على تلك الساقطة.. مينرفا.. احرقها يا رب في جهنم.. آمين"..

دعاء يردده الكورس في المسرح.. موسيقي جنائزية مهيبة..

مينرفا تصرخ:

ليس والدي.. لقد منحته الخلود.. أحببته وأخلصت له.. لست ساقطة..

صدي صوت مينرفا وهي تردد عبارة "ليس والدي.. لست ساقطة" يهز جنبات المسرح.. يظلم المسرح..

حديقة غناء بها ورود وأشجار.. أصوات العصافير تدغدغ المشاعر الإنسانية..

ضوء يسطع فجأة على مينرفا مع حبيبها..

"شكراً لأنك فعلت بي هذا.. لقد أفقت من غروري"..

تمتم حبيبها بهذه العبارة في حنان وهو يداعب خصلات شعرها..

أطرقت مينرفا وقد احمرّ وجهها بحمرة الخجل ثم قالت:

كان لابد أن أقتلك كي نبقي معاً في عدن..

قبلة حارة طبعها على شفتيها.. موسيقي حالمة..

ضوء يسلط فجأة على وجه القاضي وهو يقول:

حكمت المحكمة على مينرفا بالإعدام شنقاً..

"أيتها القديسة مينرفا.. اغفري خطايا العالم.."

"فلتذهبي إلى الجحيم جزاء ما اقترفته من آثام.."

أصوات عديدة تهز المسرح بينما مينرفا مع حبيبها.. قبلة النهاية.. تنام بين ذراعيه.. تغرد الأطيار..

"الحقيقة ليست سوى ما تدركه".."أيتها الآلهة اغفري خطاياها فإنها لا تعرف"..

"أيها الرب فلتغفر لمينرفا الخاطئة خطاياها.. لا تحرمها من محبتك.. كن بجوارها في كل لحظة يا رب.. فأنت الحق والطريق والحياة.. آمين"..

"It was just a love story"..

ستار....


محمد عبد الرحمن صالح

القاهرة: ١٠ أغسطس ٢٠٠٢


Thursday, April 22, 2010

Taha Hussein: A Tale of a Great Mind

My first encounter with Taha Hussein, the prominent Egyptian thinker (1889-1973) happened when I was about 7 or 8 years old watching a famous (inside the Arab World) Egyptian TV series based on his autobiography "Al-Ayyam (The Days)". The series was touching or at least that is how I perceived it then (which is the most important to me anyways:-). It tells the story of a kid who lived in a poor village in Upper Egypt, became blind when he was 9 because of the amazing "medical" treatment he received due to a pain in his eyes, and memorized the Quran in the Quranic school (Kuttab). The story goes on to show how the poor blind kid who had every reason to become as everyone else: a blind farmer or at most a blind "fiqi" (teacher in a Quranic school) went on to join Al-Azhar (the major Islamic higher education institution), heavily criticized the 1000-year-old Islamic institution, entered the newly established Egyptian University, and ended up in an educational mission in France to obtain his PhD from the Sorbonne! He later became one of the most renowned "liberal" thinkers in the Egyptian intellectual life that started to thrive at that time early in the 20th century.
Taha Hussein, in my view, revolutionized the Egyptian intellectual life. The writers at that time were basically imitating the methodologies of the traditional Arab/Islamic thinkers of the Middle Ages. They simply accepted their thoughts and methods of thinking as given... as absolute truth. They did nothing to innovate or to question the validity of the ideas we accept as "true". Hussein significantly modified this stagnant environment, employed the tools of scientific thinking, and opened the debate in many "taboos". One of the major battles that Taha Hussein fought was the one on the pre-Islamic poetry, a poetry that was long viewed as an integral part of the Arab civilization (and pride?), and that was taught at Al-Azhar for centuries. Hussein used the tools of the Cartesian skepticism, and employed evidence from the new (at that time) excavations made in the Arab peninsula by the European Orientalists to show that the major bulk of this pre-Islamic poetical tradition cannot be true and should be refuted on scientific grounds. According to Hussein, this large body of pre-Islamic poems was simply a forgery made up by the later post-Islamic poets perhaps in order to establish deep historical roots of Arab civilization. As an example on the evidence he employed to support this view, he brought up some of the newly discovered scripts from pre-Islamic Yemen which showed a Semitic language that is definitely NOT Arabic. Knowing that this was indeed the language used in Yemen at the time of the renowned (perhaps legendary?) pre-Islamic Arab poet (Imru' Al-Qays), whose poetry is written in the "usual" Classical Arabic language, he concluded by saying that what we have in our hands now as Al-Qays' poetry must have been a forgery, since Al-Qays definitely spoke a Semitic language different from Arabic!
The battle ended up in a trial! Hussein was accused of heresy!
Hussein is just wonderful. He provokes your mind to think, to explore, to be able to make scientific judgements. These are capacities that are simply lacking in our modern Egyptian society.

Islamic Thought in Middle Ages


Why did Muslims lag behind the West? This is an overly broad question that I, in no way, claim to have the answer to in such short article. What I have is some thoughts.. Random thoughts. First, I want to start by some observation that I feel is really underestimated by Muslims, or at least that was my case until 4-5 years ago. When we talk about the West-Muslim gap in science and civilization we are not just talking about a "shift" in roles with Muslims being ahead of the West for so many centuries (basically the Middle Ages) and then the West taking the lead starting from the renaissance. The gap is far deeper than that for the "levels" of civilization that we are currently talking about in the 21st century (including ours) are simply unprecedented in the entire human history since the evolution of Homo Sapiens about one million years ago. To put it clearly, the Industrial Revolution which started in the late 18th century (and which is taught in a totally ridiculous way in our school curriculum) has basically lifted the levels of human living conditions to extremely high levels. Such "revolution" is only comparable to the agricultural revolution that occurred 10,000 years earlier and which shifted the miserable lives of hunters and gatherers into settled food producing. Parallel with this revolution, was a sizable increase in the life expectancy of humans from 35-40 years (as was the case during the entire human history) into 60 years and later to more than 80 yeas in some countries nowadays. So what I mean is that what happened then is not merely a shift in roles.. It is a shift but with a huge increase in levels of the gap as well as in the size of the gap itself: When Muslims were ahead of the West the latter was not so poor relative to the Muslim World as the Muslims are currently poor relative to the West! When Muslims were leading, Haroun al-Rashid, at the heyday of Islamic civilization was dying at the age of 40 years and the masses were living at the subsistence level since agriculture was the only method of production.
But, why did not such revolution take place in the Muslim World? Why did not the Muslims translate their more sophisticated science into a "steam engine" for example? The same question was asked of various civilizations (for instance, the Graeco-Roman Ancient Civilization), and the answer lies in the intellectual origins! To put it simply, scientific thinking was not systematically used in these civilizations, although there were "individual" attempts to introduce such thinking.
Muslims (by the way, I mean in this article "culturally" Muslims for many of the great contributions to Islamic civilization came from non-Muslims) started adopting Greek philosophy since the 8th century AD through "Islamic 'Elm Al-Kalam". The motivation was clear: respond to non-Muslims and new converts to Islam who were armed by the weapons of the Greek philosophy and were questioning the logical and theological foundations of the Islamic teachings. Islam, up to that time an unsophisticated "Bedouin" religion, was basically unable to respond to such questions: How would a Muslim scholar respond to a non-believer? Would he direct him to a verse in a holy book he does not believe in in the first place? Al-Mu'tazela took the lead in this movement and they began philosophizing Islam, employing reason in interpreting Quran, and stood firmly in the theological debates with non-Muslims and new converts.
Al-Mu'tazela, however, initiated some debate about the nature of the Quran: Whether it was "created" by God or rather existed from eternity? This was a costly debate in the history of Islamic thought and although I agree with the logic of Al-Mu'tazela in their claim that the Quran was created (otherwise there will be multiple gods and monotheism defied), I think they took it far in their insistence on imposing their belief as part of the Islamic belief and considering any one who does not believe in that as "heretic" and "infidel". This resulted in a counter-revolution by enemies of al-Mu'tazela, the conservative team which insisted on following the "words" of the Quran without employing reason, and made the public sympathize with the latter team. In the end, al-Mu'tazela were defeated, their books were burnt, and they remained until the present day considered as heretics by the Muslim hardliners and the "blind followers".
I mentioned this story as an example of the bad reputation rationalists, scientists, and philosophers held in the Islamic world since then. As another example, Al-Ghazali, one of the most celebrated Islamic thinkers in the modern Arab world wrote a famous treatise titled "Tahafot Al-Falasifa" or "Emptiness (?) of Philosophers" which was taught in Al-Azhar for many centuries (perhaps until today?).
The consequence of the final victory of the conservatives was enormous: The door of innovation in Islamic Jurisprudence was closed and scientific thinking was discouraged. Perhaps all the scientists that we hear of (Ibn Rushd and Ibn Sina for instance) were not really popular figures in the Islamic world. The popular figures were Malik and Ibn Hanbal!

Los Angeles: April 22, 2010

An Interesting Reading: Notes from the Underground by Dostoyevsky


This is the first article I post to this blog. I decided to write about this masterpiece, one of my favorite short stories, "Notes from the Underground" by the literary giant Fyodor Dostoyevsky. No this is not a normal short story! This is a manifestation of the human creativity in its best forms!
Dostoyevsky has faced a very interesting experience in his life. He was arrested among others with the accusation of conspiring against the Tsar around 1829 (as far as I remember!). The group received a death sentence and were to be executed on a specific day. On that day, Dostoyevsky, then a young man, was prepared to die, had his eyes covered, and was just waiting to be shot by the guards when (as in Arabic movies!) a messenger from the Tsar arrived on his horse announcing that the Tsar has forgiven the "sinners?" and that they were to be freed. This is a true story, and of course it remains subject to speculation the purpose of the Tsar in doing so!
Anyways, I wanted to tell this introductory story for two reasons: First, I am an academic weirdo and in academic papers introductions are a must! Second, it gives a nice context to understand the absurdity of human life and how this understanding affected Dostoyevsky (henceforth; "D" because his name is really too long and confusing). Such an experience is reflected in the themes D chooses for his stories: the themes of absurdity, human humiliation, and ridiculousness! To put it briefly, D was an existentialist long before the famous Sartre and Camus.
The story is interesting. It is divided into two parts: The first part is basically a monologue: random thoughts or notes as the title of the story suggests written by an unnamed man in his forties suffering from a pain in his liver. This part is not really a story. The protagonist describes his views of the world and life. He was a past civil clerk who had pleasure in humiliating the public and was extremely hostile to others. He was a man of philosophy and not a man of action! He masterfully explained his point of view that the "unsophisticated" people were the ones more likely to make actions in life. This point of view, I have to say, found a lot of agreement inside myself. I always view myself as overly sophisticated to the extent that I can make no judgements and hence no actions! It is hard to describe such feeling. It is the feeling that you think too much, analyze too carefully, and so when faced with a situation I will waste all my time analyzing and thinking and philosophizing, such that, at the end of the day, no action whatsoever is taken! Men of action, on the other hand, have to act quickly, think quickly, and make judgements on things quickly. This requires being "simple" if you know what I mean!
The second part of the story, which is the story proper tells three separate events that took place in his life. The first event is his "ridiculous" attempt to take revenge of an army officer. He noticed that whenever he passes through this officer in the street it is "him" who has to step aside to avoid collision while the officer never changes his path. The revenge was simple: Do not step aside! He took a leave from his work, took a loan to buy a suit (to appear socially equal to the officer), and then after so many failed attempts he finally did it!!!!
The second event was his gathering with old friends who now became much more successful and richer than he was (although they were "simpler"!!). He imposed himself on this dinner, did all sort of ridiculous speeches that left him ignored by all his friends. Being humiliated, and perhaps masochist, he decided not to leave but to remain in the dinner room going back and forth for four hours (!!!) while they were talking. In the end, before they left, he literally begged one of them for a loan (to humiliate himself more).
The third event was the situation in which he played the role of the humiliator of a prostitute who got attracted to him and visited him at home only to receive humiliation and insults from him.
The story as a whole explores very intimate areas of the human nature, as far as I look into my inner self. It explores our dark sides: our stupidity, arrogance, ignorance, masochism, and sadism. The story is simple "human"!

Los Angeles: April 22, 2010