Tuesday, July 12, 2011

أقصوصات الزمن الخلاق

تحت أنقاض الانكسار

تشبث بيدها. الترام منطلقة في طريقها المحتوم بلا هوادة. القلب يطير. تتأرجح الترام من فرط السرعة. تدخل النفق غير المسقوف. الجدران تعلو وتعلو بسرعة. تزدان بعبارات بذيئة. أنفاسه تتصاعد من شدة التأثر. يمسك بيدها أكثر وأكثر. المقاعد الحمراء. الجدران تتمايع وتتلون كالأمواج المتلاحقة. تنكسر حدتها فتصير تلالا رملية. الترام تغوص تحت الأنقاض. قلبه يغوص. يختنق. يعتصر يدها. يتوقف الزمن. تشرق بنفسه شمس السلام.

شباك الأماني

الحائط يحجز الرؤية. بالقلب قلق خفي. يتطلع إلى ما هو وراء ذلك. لكن الظلام داكن والسواد يغلف المكان. كيف له بها؟ وهو من هو؟ وهي شريهان نجمة الفوازير. تغلفه الكآبة. ينفتح الشباك في المواجهة. يتسع. يتسع. حتى يصير بالباب أشبه. يتململ. تطل من الشباك. من عليائها. كنجمة الربيع الخاطئة. بفستان من حرير. يشعر بسعادة مرتعشة مذنبة خائفة. تبتسم في وجهه. كالملاك الساحر. تتمايل وتتراقص على أنغام ألف ليلة وليلة.

لقاء النقيضين

يصحو من نومه. يستعد للنزول من الفراش. يراها متحفزة. قطة سوداء. تموء بأقذع الأصوات. يغوص قلبه في الأعماق. يخفق ويخفق حتى لا يصير قادرا على الخفقان. تبرق عيناها الشريرتان. لكنه يظهر في الوقت المناسب. أبيض ناصع البياض. بلا ملامح ولا قسمات. لون أبيض. يقف عند باب الحجرة بلا كلام. تهاجمه بأسنانها الحادة. لكنه لون بلا جسم. تضيع محاولاتها هباء. شفاف بلا مادة. تهدأ نفسه الحائرة.

ضوء عينيك؟

ركبت الميكروباص. انتظرت كثيرا حتى اكتمل العدد وانطلق. حلق في السماء. في الآفاق. فوق البحار والمحيطات. ظللتها سعادة وهدوء وسكينة وسلام. داعب وجنتيها رذاذ البحر. ضحكت. دغدغ عينيها حتى أجبرها على إغلاقهما. إلى الأبد.

فجر الضمير

تمنى لو ينام. السحور انتهى وحان موعد الصلاة. تثاقل جفناه. تسلل إلى السرير في غفلة من الجميع لعله يصله قبل فوات الأوان. لكن هيهات. سرح بخياله في الصلاة. أطال الإمام في الدعاء. تراءى السرير في مخيلته بغواية ملحة. هل يسمعه الله ويعد عليه هفواته؟ تمنى عالما حرا بلا إله. تمنى لو ينام. عزفت بقلبه أنغام الحرية.


العشاء الأخير

بعينيها نظرة مستسلمة عارفة واثقة. يشع منها السكون والسلام والرضا. كمن خبر المصير وعرف الكل في آن. يأكل معها. يتساءل بطفولة ساذجة. تقول له لا تحزن. مهما حدث. مهما حدث.

آخر العالم

يتضور جوعا. يريد أن يأكل كعك العيد. لابد أن يدخل الحجرة الكائنة في آخر العالم. حيث الصندوق به الكعك. يتردد كثيرا ويخاف. إنه في أحد أشولة الأرز بالحجرة نفسها. جسده ملقى هناك بعدما مات الأسبوع الماضي. كيف له الدخول وذلك الجسد هناك؟ يستجمع كل شجاعته. يمضي بثبات مرتعش. يدلف إلى المجهول بكثير من الخوف والرجاء. يرمق الشوال بعين زائغة. يفتح صندوق الكعك بيد مهتزة. يرى يده تتأرجح من داخل الشوال. يختطف كعكا يكفيه لباقي العمر حتى لا يأتي هنا ثانية. يعدو إلى الخارج بكل قوة.

الطريق مغلق

تخرج من المدرسة. تسرع إلي المنزل. لكن الطريق أمام المدرسة مغلق. الأقماع والحواجز المعدنية. تهتف: افتح الشارع يا فتوح! ما من مجيب. ما من مجيب.

محطة السكك الحريرية

كان الزمن جميلا هادئا. المحطة نظيفة والأشجار وارفة الظلال. العصافير مهذبة. حضر والداه يودعانه الوداع الأخير ربما. والده بالبدلة الشتوية الوقور. والدته بالتايير الأنيق. جفف دموعه المتلاحقة. امتنان. صعد إلى القطار. نظر من الشباك بقلب تملؤه الحسرة. لوح لهما بيديه. تحرك القطار بطغيان الحتمية والنظام. نظر إلى يديه فوجد هاتف والده المحمول ما زال بيده. هب من مقعده. شعر بالهلع. نظر من الشباك فوجدهما أدارا ظهريهما عائدين. صرخ وصرخ. تفتتت صرخاته على قضبان الحتمية. شعر بالضآلة والخزي والعار.

لحظة الانفصال

كان واقفا في البلكونة يشاهد المارة. يتجنب النظر إليها في البلكونة المقابلة. يسمع الصخب في الشارع. السيارات المزعجة. الناس. قفز من البلكونة .وقف عالقا في الهواء ليرى بلكونته من الجهة المقابلة. من الخارج. هاله ما رأى. الكون والناس والحيوانات والحشرات سيمفونية متناغمة وهو نشاز.

الألم اللامتناهي

رآها جالسة على السلم. غير قادرة على النهوض وهو قادر. ركبتاها تتألمان. على وجنتها دمعة. لعن رجليه وصحته. تمنى لو يصاب بالشلل التام ويجلس بجوارها بلا فروق اصطناعية. بلا تصنيفات. ابتسم وقلبه كالتائه. قال ستكونين بخير وستفهم الأكوان كيف تكون معاملة الإنسان.

القرصان المحلق

كابتن هادوك رمز الإنسان الكوول. زجاجة الخمر لا تفارق يده. هيهات أن يصير مثله. اختار تلك القصة وذينك البطل. نهره الرقيب. شراء الكتب ليس متعة بل واجب أخلاقي.

الزمن الثابت

تسمر في مكانه. القطط تدور حوله بلا نهاية ولا بداية. تكشر عن أنيابها بلا خجل ولا وجل من العقاب. أحكمت حلقاتها حوله. شعر بالاختناق. باقتراب النهاية المحتومة. انقضت عليه. حاول الدفاع عن نفسه. لكن الزمن ثبت عند لحظة بدء الانقضاض. كان به شيء من الملل والتململ. لكنه كلما شعر بضرورة مضي الزمن مرة أخرى تذكر المصير المحتوم والقطط المتوثبة. ففضل الملل والثبات على التاريخ المجازف. وشعر في ثبات الزمن أن اللحظة الآنية التي ليس لها بُعد بالضرورة صار لها طول. وللأسف صارت محسوسة معاشة مملة وهو الذي تمنى أن تكون لحظة غير مدركة كي لا يشعر بالخوف. مع ثبات اللحظة تسلل إليه الشعور بالخوف.

محمد عبد الرحمن صالح

في الطائرة إلى بوسطن

10 يوليو 2011