Saturday, November 9, 2013

تعداد النفوس (رواية) - الورقة الأولى

(١)
هيلانة

وتتوقف قدماه عن السير من شدة التعب بعد ساعات من المشي بلا هدى. ويتأفف من العرق والحر والشمس تصعد من رقدتها الليلية إلى كبد السماء. ويختلط عرقه بدموعه. لكنك ستدفعين الثمن يا "هيلانة". ستندمين. وستتوسلين لي أن أرحمك لكني لن أفعل. وكيف لي أن أفعل؟

وتتنهد "هيلانة". يراها بين أحضان عشيقها في ليلة مقمرة. أغرق في صدره. يُقبَلني. ليس الرجل الأول بحياتي. لكنني أشعر بين أحضانه بطعم مختلف. ولا أشعر بالخطيئة. بل أرى المسيح يظللنا بصليبه. وتحل بركات مار جرجس بنا. وكأنه فوق صهوة جواده يقتل الوحش ويحملنا معا ويحمينا من شهوة الحب وسطوة الخوف ويصنع بنا المستحيل. ليس الحب خطيئة. الله محبة. والحياة حب بين طرفين. الكنيسة والمسيح. الليل والنهار. النيل والأرض السوداء. وليس على البشر إلا الخضوع لمجريات الأمور وتصاريف الأقدار. 

وتأبى الصورة أن ترحل عن ذهنه. صورة "هيلانة" في أحضان "شنودة". التزمتُ الصمت يا "هيلانة" ورحلت عن المكان. ولكنك تعلمين ماذا كنت أستطيع أن أفعل. والخيانة. ما هي؟ والماضي؟ والذكريات؟ أسمع ضحكاتك البريئة يا "هيلانة" يوم أن انحنينا معا نجمع محصول القطن في شهر توت. هل كنت تخادعين؟ وأتوقف أمام النيل. يجري هادئا. هدوء "هيلانة" قبل الفيضان.

وقف مع "هيلانة" في المكان ذاته يوما ما. في الربيع ربما. عاهدها على الوفاء وعاهدته على الإخلاص. والدين؟

- أنا مسلم يا "هيلانة".

نحيا في قرية "أولاد إبراهيم" بين دير درنكة والنيل.

قالت "هيلانة":

- كلنا أولاد إبراهيم يا "علي". كلنا نعبد الله.

ترتسم صورتها على صفحة الماء. العقل والحكمة كنزان عزيزان فما بالك حين تتحلى بهما إمرأة؟ نعم كلنا أولاد إبراهيم إنما تفرقت بإسحاق وإسماعيل السبل.

الدير. هنا حلت العائلة المقدسة بعد رحلة شاقة من فلسطين. أتصبب عرقا. أطرق الباب الخشبي الكبير بوهن. أنتفض من الخوف وأتلفت حولي في كل لحظة. يفتح أبونا الباب وينظر إليّ باستغراب.

- أنا "هيلانة" يا أبونا. ألا تتذكرني؟ جئتك البارحة مع "شنودة" لكي تباركنا.

يسمح لي بالدخول. تتساقط دموعي. كيف أقول؟

- والحق أقول لك. رآني "علي" الليلة الماضية وأنا بالغيط مع "شنودة". كنا نتحدث. لا. لا. لم نخطئ يا أبونا.

-  من "علي"؟

- عامل أجريّ مثلي يتعيش من العمل بالأرض. هو يحبني. لكني. نعم أحببته بعض الوقت. لكني انصرفت عنه بعد أن هداني المسيح. لكنه يطاردني.

الخطيئة نتاج جهل البشر. ولذة الخطيئة تلهي النفوس عن ألم الفضيلة. وهل أصدق هذه الفتاة البسيطة؟ ملامحها هادئة توحي بالصدق. مسكينة.

قلت لها:

- لا تخافي.

قالت:

 - انصرف "علي" بعد أن رآنا دون أن يبادلني كلمة واحدة. وأخاف أن يتعرض لي بسوء.

قلت لها:

- سنحميك. هذا الدير حمى السيدة العذراء والسيد المسيح من جحافل الروم.

ويستكمل "علي" المسير. العمر الذي كان يمضي بلا معنى حتى رأيتك يا "هيلانة". أرى كلاب شيخ البلد يقتحمون داري في "شندويل". يسوقونني قسرا إلى حفر ترعة بالسخرة في "جرجا" بأمر الباشا. يتكالبون عليّ بكثرتهم. وأرى عشرات الشبان مثلي. يجمعوننا كالخراف. وأراني أغافل الكلاب وأسلم ساقيّ للرياح. وتأخذني قدماي إلى قرية "أولاد إبراهيم". هنا لا أحد يعرفني. هنا أبدأ حياة جديدة. ليست أفضل لكنها جديدة. أجد عملا في أراضي عهدة مدير أسيوط. العمل موسمي كالفيضان والبذر والحصاد. والأمل موسمي لا يكاد يظهر حتى ينعدم. والألم باق ما بقي الجسد. و"الُمتسحبون" الهاربون من السخرة والتجنيد والضرائب تتعقبهم رجالات الباشا في كل مكان فلا يملكون رفاهية الألم ولا ترف اليأس. لكن لا تستعبدهم السعادة فيبقون أحرارا من تلك الجهة على الأقل حتى وإن لم يدركوا كنه الحرية. فالمستقبل مظلم. وما إن يشرق ذلك الإيمان في قلبك حتى تتحرر نفسك من عبودية الأمل وسخافة المرتجى وسذاجة المسعى. لكن ظهورك يا "هيلانة" استعبدني. أشعل الأمل في صدري فرجوت أن أشعر بالألم والسعادة مجددا بعد طول عهد باللامبالاة.

ويلقي "شنودة" رأسه على الوسادة. وجه "هيلانة" الملائكي لا يفارق خياله. ووجه "علي" الشيطاني يفسد اللحظة واللوحة والجمال. والعمر يطير يا "شنودة". أعوام عمرك الثلاثون التي انقضت فجأة كما بدأت فجأة. والشعيرات البيضاء تهاجم رأسك كصياد متمرس بالمراوغة لا يواجه فريسته وإنما يستنزفها ببطء. وخوفك الغريزي حين رآكما "علي" يعكس طفلا لا يزال حيا بداخلك. تتألم الآن لأنك جبنت. وجلد الذات لا يمنع ألم الضمير لكنه يحوله إلى شيء من اللذة بفعل هو إلى المعجزة أقرب. ولا يستطيع النوم فيستيقظ مع أول ضوء للنهار ليذهب إلى ورشته. يدفن همومه بين المسامير والأخشاب ويرتسم وجه "علي" في مخيلته على لوح الخشب فينهال عليه بشاكوشه وكأنه يقضي عليه قضاء مبرما. وورشة النجارة على أطراف "أولاد إبراهيم" التي ورثها عن أبيه لا تتغير مع النيل كعمل الُأجرية.

- هل استرحت؟

تمتم أبونا بالعبارة بعد أن طلب حضوري من حجرتي.

- لا يا أبونا. القلق يقتلني. "علي" متهور وقد يفعل أي شيء.

- وكيف أحببته يا ابنتي؟

- اغفر لي يا أبونا.

- لست من يعفو.

وبعد لحظات من الصمت قال:

- ألا تفكرين في الترهبن يا ابنتي لكي تتطهرين من تلك الشرور؟

- لكني أحب "شنودة" يا أبونا.

- والمسيح؟ ألا تحبين المسيح؟

والفؤاد وما يعشق يا هيلانة. وأبي وأمي أين هما؟ والعمل منذ نعومة الأظفار في جني القطن وبغير ذلك الدخل لما سمحت لك عمتك بالعيش معها وأولادها بالبيت. و"علي". نورت يا قطن النيل. وينقذني "علي" من كماشة ابن عمتي. والعذراء. بركاتك يا عذراء. ظهوراتها التي هدتني للمسيح بعد أن تاهت بي الخطى. نور العذراء فوق درنكة. ونور المسيح يشرق بالقلب المظلم. و"شنودة". الحلم الذي لم يمت بعد.

أياد تطرق باب الدير. أنتفض رعبا فيشير لي أبونا بالعودة إلى حجرتي وعدم الخروج منها إلا بإذنه. وأسرع أنا إلى الباب بعد أن اختفت هيلانة عن الأنظار. إنهم رجال الباشا. يدفعونني دفعا كالكلاب المسعورة.

- أمر من مولانا صاحب النعم محمد علي باشا بإحصاء كل نفس في ناحية درنكة.

- لكن ليس لدينا شبان في الدير للعمليات أو الجهادية. ومعي تذكرة الجزية عن سنة ١٢٦٣.

ولم يرد "شلبي" جهادي وخفير الناحية بل دلف إلى الدير وهو يقول:

- تعد قائمة بالأسماء تسلمها لشيخ البلد أو المأمور. نريد معرفة كل شيء. الاسم. السن. الصنعة. الطائفة. كل شيء.

ثم بابتسامة خبيثة:

- وإذا تلاعبت يا "صاروفيم" أو أخفيت كائنا من كان سيكون العقاب عسيرا. لا أريد حكاية الوغد الهارب من الجزية الذي أخفيته لديك العام الماضي كواحد من الرهبان تتكرر. نحن نعرف الرهبان عن ظهر قلب فلا داع للألاعيب. حضرة مأمور المركز سيمر بنفسه مع اثنين من الكتبة للتأكد من إحصائك. العقاب شديد يا "صاروفيم". على الكل.

"شلبي" ابن قرية "أولاد إبراهيم". أراه وهو ابن سبع سنين وقد أتتني أمه ذات يوم لأباركهما وقت ظهور السيدة العذراء. وأراه وقد أتاني العام الماضي ليوبخني بعد أن دخل الجهادية وصار من خفراء المركز. ونورك يا عذراء ينتقي ولا يدخل القلوب المظلمة. وكيف ترى العيون الحقيقة ثم تعمى عنها القلوب؟ حكمتك يا إلهي أعيت قلوب الحائرين.

- ترهبنت يا "شنودة". انساها يا بني. لقد اختارت المسيح.

وليس هنالك من باب أمل يا "شنودة" إلا ويغلقه المصير. ادفن همومك في أرض الخمول. في العمل. في السراب. في العشق المستحيل. وهل للحياة معنى بعد ضياعك يا "هيلانة"؟ وإخوتك الذين كبروا بعد ما توليت أمرهم لن يذكروك إلا لماما. فالإنسان يذكر الإساءة ويغفل الإحسان. هل ستجني ثمار تعبك يوما ما؟ في جوار الرب ربما. لكن في دنيا الإنسان لا أظن.

وفيم يجدي البكاء؟ وما الرهبنة؟ وليس عليك يا "هيلانة" سوى الرضوخ لأمر أبونا. وهل تمردتِ يوما؟ وأنتقل إلى البيعة الكائنة بالدير. وفيم الخطيئة؟ "شنودة" من أتباع المسيح. الخطيئة هنا. في عقلي الذي لا يكف عن التفكير. وتبدأ صلاة الساعة السادسة. وأرى المسيح والعذراء. وأرى "شنودة" شاهرا سيفه وضاربا عنق إبليس وكأنه سيدنا الملاك "ميخائيل". وأراه يحتضنني ويهرب بي فوق جواده لسابع سماء حيث لا بشر ولا خطيئة. وأعدو تحت جناح الليل. أفتح باب الدير وأعدو. ولا أنظر خلفي فالماضي مثخن بألف جرح وألف مأساة ومأساة. لا تندمي يا "هيلانة" فالرب أعلم بما بك.

- هل تخيلتِ أنني لن أستطيع الوصول إليك أيتها الساقطة؟

- "علي"؟!!

- عرفت أنك ستذهبين إلى الدير بلا شك فراقبتك من مكان قريب وها أنت ذي أمامي. لم تطل سكناك بالدير. فأنت لا تحبين الطهارة.

وتغمد سكينتك في قلبها يا "علي". بلا كثير شرح أو تأنيب. تغسل بدمائها شرفك وكبرياءك. وتتمنى لو تقتلها ألف مرة. القتل لذة وشرف فيها الكثير من الألم للقاتل والمقتول. وهل هناك مقتول أشرف من سيدنا علي أو سيدنا الحسين؟ وكرب وبلاء يا "هيلانة". وتترك جسدها المقتول وتهرب عائدا إلى "أولاد إبراهيم". دموعك المنفلتة لا تكف عن التساقط. وقلبك ينفطر وعقلك يطير. "هيلانة" تموت؟ بئس المصير.
- تذكرة سفرك يا ولد.

ولم يرد "علي" فليس ثمة شيء يقوله.

- أنت من أين؟

- من هنا. من "أولاد إبراهيم".

- وما هذا الدم بيدك؟ ومن أين جئت الآن؟ ولماذا تعدو؟ ألا تعلم أن الباشا أمر بأن كل مسافر من ناحية إلى أخرى عليه أن يحمل تذكرة من الميري؟

صفعة مدوية على وجه "علي" تكاد تطرحه أرضا من شدتها. يهم "علي" بضربه فيزمجر باقي الخفر في علامة على التوثب والترقب. قال الخفير بكثير من الشك:

- سنتحرى أمره من شيخ البلد. خذوه.

ويستسلم للأيادي الكثيرة وللشتائم والصفعات والركلات. فليس معنى للمقاومة ولا للرجولة ولا للكرامة. وليس معنى للألم.

*****

محمد صالح
تولوز من ٢٢ أكتوبر إلى ٩ نوفمبر ٢٠١٣


Monday, March 19, 2012

Women's Role in Societies

Thinking about women's role in societies... Traditional theories claim that "nature" dictates a specific division of labor under which women should stay at home or at least that it is men who should do the "hard labor." But is this true? As documented by the famous Danish economist Ester Boserup, there is evidence from very primitive societies in Africa that women were responsible for agriculture while men were doing absolutely nothing and even resisted working when asked to! Europeans in the nineteenth century even called the black man the "lazy" African man!!! I can add that in Egypt and other parts of the Middle East, very backward communities such as "ghagar" and "nawar" that dominate the very "low-status" occupations such as thieves, beggars, magicians, and monkey-players demonstrate a very prominent role of women. In fact, women are far more dominant than men in these communities and this is not only socially acceptable but is the social norm. Don't we need to revise many of our "prejudiced" theories that we grow up taking for granted?!!! Among these theories is the idea that there is a positive relationship between women's role and development, and that the wealthier the society is the more prominent women's role is. It appears that the relationship is U-shaped rather than linear!

Tuesday, July 12, 2011

أقصوصات الزمن الخلاق

تحت أنقاض الانكسار

تشبث بيدها. الترام منطلقة في طريقها المحتوم بلا هوادة. القلب يطير. تتأرجح الترام من فرط السرعة. تدخل النفق غير المسقوف. الجدران تعلو وتعلو بسرعة. تزدان بعبارات بذيئة. أنفاسه تتصاعد من شدة التأثر. يمسك بيدها أكثر وأكثر. المقاعد الحمراء. الجدران تتمايع وتتلون كالأمواج المتلاحقة. تنكسر حدتها فتصير تلالا رملية. الترام تغوص تحت الأنقاض. قلبه يغوص. يختنق. يعتصر يدها. يتوقف الزمن. تشرق بنفسه شمس السلام.

شباك الأماني

الحائط يحجز الرؤية. بالقلب قلق خفي. يتطلع إلى ما هو وراء ذلك. لكن الظلام داكن والسواد يغلف المكان. كيف له بها؟ وهو من هو؟ وهي شريهان نجمة الفوازير. تغلفه الكآبة. ينفتح الشباك في المواجهة. يتسع. يتسع. حتى يصير بالباب أشبه. يتململ. تطل من الشباك. من عليائها. كنجمة الربيع الخاطئة. بفستان من حرير. يشعر بسعادة مرتعشة مذنبة خائفة. تبتسم في وجهه. كالملاك الساحر. تتمايل وتتراقص على أنغام ألف ليلة وليلة.

لقاء النقيضين

يصحو من نومه. يستعد للنزول من الفراش. يراها متحفزة. قطة سوداء. تموء بأقذع الأصوات. يغوص قلبه في الأعماق. يخفق ويخفق حتى لا يصير قادرا على الخفقان. تبرق عيناها الشريرتان. لكنه يظهر في الوقت المناسب. أبيض ناصع البياض. بلا ملامح ولا قسمات. لون أبيض. يقف عند باب الحجرة بلا كلام. تهاجمه بأسنانها الحادة. لكنه لون بلا جسم. تضيع محاولاتها هباء. شفاف بلا مادة. تهدأ نفسه الحائرة.

ضوء عينيك؟

ركبت الميكروباص. انتظرت كثيرا حتى اكتمل العدد وانطلق. حلق في السماء. في الآفاق. فوق البحار والمحيطات. ظللتها سعادة وهدوء وسكينة وسلام. داعب وجنتيها رذاذ البحر. ضحكت. دغدغ عينيها حتى أجبرها على إغلاقهما. إلى الأبد.

فجر الضمير

تمنى لو ينام. السحور انتهى وحان موعد الصلاة. تثاقل جفناه. تسلل إلى السرير في غفلة من الجميع لعله يصله قبل فوات الأوان. لكن هيهات. سرح بخياله في الصلاة. أطال الإمام في الدعاء. تراءى السرير في مخيلته بغواية ملحة. هل يسمعه الله ويعد عليه هفواته؟ تمنى عالما حرا بلا إله. تمنى لو ينام. عزفت بقلبه أنغام الحرية.


العشاء الأخير

بعينيها نظرة مستسلمة عارفة واثقة. يشع منها السكون والسلام والرضا. كمن خبر المصير وعرف الكل في آن. يأكل معها. يتساءل بطفولة ساذجة. تقول له لا تحزن. مهما حدث. مهما حدث.

آخر العالم

يتضور جوعا. يريد أن يأكل كعك العيد. لابد أن يدخل الحجرة الكائنة في آخر العالم. حيث الصندوق به الكعك. يتردد كثيرا ويخاف. إنه في أحد أشولة الأرز بالحجرة نفسها. جسده ملقى هناك بعدما مات الأسبوع الماضي. كيف له الدخول وذلك الجسد هناك؟ يستجمع كل شجاعته. يمضي بثبات مرتعش. يدلف إلى المجهول بكثير من الخوف والرجاء. يرمق الشوال بعين زائغة. يفتح صندوق الكعك بيد مهتزة. يرى يده تتأرجح من داخل الشوال. يختطف كعكا يكفيه لباقي العمر حتى لا يأتي هنا ثانية. يعدو إلى الخارج بكل قوة.

الطريق مغلق

تخرج من المدرسة. تسرع إلي المنزل. لكن الطريق أمام المدرسة مغلق. الأقماع والحواجز المعدنية. تهتف: افتح الشارع يا فتوح! ما من مجيب. ما من مجيب.

محطة السكك الحريرية

كان الزمن جميلا هادئا. المحطة نظيفة والأشجار وارفة الظلال. العصافير مهذبة. حضر والداه يودعانه الوداع الأخير ربما. والده بالبدلة الشتوية الوقور. والدته بالتايير الأنيق. جفف دموعه المتلاحقة. امتنان. صعد إلى القطار. نظر من الشباك بقلب تملؤه الحسرة. لوح لهما بيديه. تحرك القطار بطغيان الحتمية والنظام. نظر إلى يديه فوجد هاتف والده المحمول ما زال بيده. هب من مقعده. شعر بالهلع. نظر من الشباك فوجدهما أدارا ظهريهما عائدين. صرخ وصرخ. تفتتت صرخاته على قضبان الحتمية. شعر بالضآلة والخزي والعار.

لحظة الانفصال

كان واقفا في البلكونة يشاهد المارة. يتجنب النظر إليها في البلكونة المقابلة. يسمع الصخب في الشارع. السيارات المزعجة. الناس. قفز من البلكونة .وقف عالقا في الهواء ليرى بلكونته من الجهة المقابلة. من الخارج. هاله ما رأى. الكون والناس والحيوانات والحشرات سيمفونية متناغمة وهو نشاز.

الألم اللامتناهي

رآها جالسة على السلم. غير قادرة على النهوض وهو قادر. ركبتاها تتألمان. على وجنتها دمعة. لعن رجليه وصحته. تمنى لو يصاب بالشلل التام ويجلس بجوارها بلا فروق اصطناعية. بلا تصنيفات. ابتسم وقلبه كالتائه. قال ستكونين بخير وستفهم الأكوان كيف تكون معاملة الإنسان.

القرصان المحلق

كابتن هادوك رمز الإنسان الكوول. زجاجة الخمر لا تفارق يده. هيهات أن يصير مثله. اختار تلك القصة وذينك البطل. نهره الرقيب. شراء الكتب ليس متعة بل واجب أخلاقي.

الزمن الثابت

تسمر في مكانه. القطط تدور حوله بلا نهاية ولا بداية. تكشر عن أنيابها بلا خجل ولا وجل من العقاب. أحكمت حلقاتها حوله. شعر بالاختناق. باقتراب النهاية المحتومة. انقضت عليه. حاول الدفاع عن نفسه. لكن الزمن ثبت عند لحظة بدء الانقضاض. كان به شيء من الملل والتململ. لكنه كلما شعر بضرورة مضي الزمن مرة أخرى تذكر المصير المحتوم والقطط المتوثبة. ففضل الملل والثبات على التاريخ المجازف. وشعر في ثبات الزمن أن اللحظة الآنية التي ليس لها بُعد بالضرورة صار لها طول. وللأسف صارت محسوسة معاشة مملة وهو الذي تمنى أن تكون لحظة غير مدركة كي لا يشعر بالخوف. مع ثبات اللحظة تسلل إليه الشعور بالخوف.

محمد عبد الرحمن صالح

في الطائرة إلى بوسطن

10 يوليو 2011




Thursday, June 23, 2011

يوسف كرم... تجربة ذاتية


لست أعلم السبب وراء قراري المفاجئ بالكتابة عن يوسف كرم. ربما هو إحساس بضرورة العرفان بفضل الرجل في تكوين تفكيري منذ الصغر وإحساس بالمرارة لأن الرجل لم يأخذ أبدا حقه من الشهرة التي أعطت بلا حساب لمفكرين مصريين آخرين أقل ما يقال عنهم أنهم أقزام بالمقارنة بهذا الرجل. كبداية فشلت فشلا ذريعا في الحصول على أية صورة فوتوغرافية للرجل على الانترنت فاكتفيت بوضع صورة غلاف واحد من أشهر كتبه "تاريخ الفلسفة الحديثة". ولعل هذا يغني عن الصورة والشخص فما يبقى من الإنسان هو الفكر والأثر.
هو مفكر مصري ولد في طنطا في ١٨٨٦ وتوفي في ١٩٥٩ بعد حياة حافلة بالفكر والبحث الفلسفي أنتج فيها العديد من المؤلفات التي تعد أول ما ألف بالعربية في الفلسفة وتاريخها. لقد أنتج يوسف كرم موسوعة فلسفية ضخمة تتناول تاريخ الفلسفة في ثلاثة أجزاء: تاريخ الفلسفة اليونانية وتاريخ الفلسفة الأوروبية في العصر الوسيط وتاريخ الفلسفة الحديثة فضلا عن العديد من الكتب الأخرى التي تبين توجهاته الفلسفية أهمها العقل والوجود. ويوسف كرم هو بلا شك أقدم أساتذة الفلسفة المصريين.
سأحاول في السطور التالية أن أذكر جوانب ذاتية تأثرت فيها بفكره. قصتي مع يوسف كرم بدأت في عام ١٩٩٤ حين قررت في الصيف التالي للصف الأول الإعدادي أن أبدأ في قراءة الفلسفة. كانت بالنسبة لي كلمة فلسفة كلمة مبهمة غامضة تجتذبني وتشحذ خيالي. فهي مليئة بالأسرار وربما بالخطايا. حدث هذا في فترة تحول في حياتي قررت فيها أن أسأل وألا أكتفي بالإجابات المحفوظة المكررة حول الدين وحول الله وحول الإنسان. أخذت أبحث في مكتبة أبي عن كتاب يصلح كبداية للدخول في عالم الفلسفة. سألت أبي عن التطور التاريخي فأجاب "لابد أن تبدأ بالفكر اليوناني فاليونان هم من صنع الفلسفة!" فتشت بين الكتب حتى وجدت كتاب تاريخ الفلسفة اليونانية ليوسف كرم ومنذ ذلك الوقت قضيت وقتا من المعاناة الفكرية وصلت بعد حين إلى لذة عقلية.
الكتاب صعب. هذا أهم انطباع خرجت به. كنت أقضي الساعات حتى أفهم صفحة واحدة مما هو مكتوب. لست أدري هل سيبدو لي مختلفا الآن بعد كل هذه السنوات. أسلوب الكتاب دقيق للغاية ومركز. نعم. التركيز الشديد هو أهم ما يميز أسلوب يوسف كرم. لا توجد عبارة زائدة. كل كلمة في موضعها وتخدم غرضا معينا. لا توجد كلمة أو عبارة ترفية أو تكرارية. أيضا لا توجد تشبيهات أو استعارات أو أي شيء من هذا القبيل. الكتاب فلسفي دقيق والفلسفة ليست أدبا جماليا إنما لها لغتها الدقيقة المحددة.
من خلال الكتاب تعرفت على الفلسفة اليونانية. عرفتها صعبة دقيقة ثم أحببتها حين اعتدت أسلوب يوسف كرم. عرفت الفلسفة قبل السقراطية. قضيت أياما وشهورا أحاول فك طلاسم الفلسفة الفيثاغورية والأيونية. ثم عرفت أفلاطون وأرسطو ثم الفلاسفة اللاحقين أمثال الرواقية والأبيقورية وفيلون اليهودي وأوريجانوس وأفلوطين والغنوسيين. ما زلت أذكر كم كنت أحس بالإجهاد بعد قراءة الكتاب لكني أصررت على استكماله. وفي أعقاب ذلك الاحتفال الخاص جدا الذي قمت به عندما انتهيت من الكتاب قررت أن أقرأ الجزء الثاني من الموسوعة. ولكن للأسف الفلسفة الوسيطة في أوروبا لم يكن متاحا في مكتبة أبي. بحثت عنه في كل مكان في الإسكندرية لكني لم أعثر عليه. عرفت اليوم فقط السبب وراء ذلك وهو أن الكتاب قامت بنشره دار نشر في بيروت وبالتالي لم يكن متاحا للبيع في مصر أما الكتابان الآخران فكانا من نشر دار المعارف المصرية وبالتالي كان من السهل الحصول عليهما من فروع المكتبة بمصر.
أيا كان الأمر اضطررت لقراءة الكتاب الثالث دون الثاني على مضض. كنت وقتها في الصف الأول الثانوي تقريبا. كنت اعتدت على أسلوب يوسف كرم الصارم في الكتابة. أحببت الكتاب جدا وتعلمت منه الكثير. ولكن بغض النظر عن الاستفادة من مضمون الكتاب حول هذه المدرسة الفلسفية أو تلك تعلمت ما هو أهم في رأيي وهو طريقة كتابة وطريقة تفكير. بداية يوسف كرم كان مؤرخا إيجابيا في الموسوعة بمعنى أنه لم يكن يكتفي بشرح فلسفة الفيلسوف وإنما كان ينتقد ويحلل ويعرض رأيه بعد الشرح الموضوعي اللازم للفيلسوف. أذكر كيف انتقد الفلسفة الحديثة بشدة. كيف كان يرى أن فرنسيس بيكون بمنهجه الاستقرائي لم يأت بجديد فوق ما قال به أرسطو وأن النهضة الأوربية تجنت على المنطق الأرسطي ووسمته بما ليس فيه. أذكر آراءه في الصراع بين التجريبيين والعقليين في القرن الثامن عشر وكيف رأى أن إيمانويل كانط هو الوحيد العملاق في الفلسفة الحديثة. ثم أذكر كيف كان فلاسفة القرن التاسع عشر كجون استيوارت مل وجيريمي بنتام مجرد حلقة في الفلسفة الخلقية النفعية التي بدأت منذ الأبيقورية في القرن الثالث قبل الميلاد وكيف رأى فيخته وشيلينج وهيجل وشوبنهور على أنهم كانطيين صغار. ثم كان حادا في نقد الوجودية في القرن العشرين ورأى أن كتابات سارتر هي أدبية وليست فلسفية. ما أريد أن أقوله أن الرجل كان ينتقد فلاسفة أوروبا العمالقة. فلاسفة عصر النهضة والتنوير والتحديث. ينتقدهم ليس بطريقة "نحن أفضل ولدينا ابن رشد وابن سينا" وإنما عن علم بعد أن تعلم طرائق الفلسفة وأتقنها فأصبح يتكلم نفس اللغة وينتقد من موقع الندية وليس من موقع التبعية والجهالة. كان يوسف كرم مؤمنا لكنه كان أمينا في شرح فكر الفلاسفة الملحدين وبيان قوتهم الفكرية. كان يدافع عن الإيمان الكاثوليكي ولكنه كان حريصا أن يقول ذلك بعد النقد الموضوعي للفيلسوف. ومن هنا تعلمت كيفية النقد والشك حتى لو اختلفت مع كرم في أغلب إن لم يكن كل أطروحاته لكني تعلمت أن هذا الاختلاف صحي ومطلوب وألا أقترب من أية كاتب أيا كان اسمه أو أهميته مطأطأ الرأس مستعدا لقبول أفكاره بلا حساب بل بعقل نقدي موضوعي.
أيضا تعلمت الدقة وعدم اللغو عند الكلام عن الفلسفة أو العلم فهذه ليست آدابا ترويحية جمالية لكنها معارف منضبطة لابد أن يكون لها لغتها وإلا نكون غير جادين في البحث.
يوسف كرم مات في ١٩٥٩ وقليل من المصريين يعرفونه اليوم. لكن كثير يعرف مصطفى محمود وأنيس منصور وغيرهما من الأقزام الذين يكتبون كتبا للاستهلاك العام وليس للبحث الفلسفي الجاد. ما أحوجنا اليوم لإحياء فكر أو طريقة فكر يوسف كرم بدلا من الانبهار بالمهرجين!!!!!

Sunday, May 8, 2011

Serapis

When Alexander the Great invaded Egypt in 332 BC, he attempted to bridge the geographic and cultural gap between the Greeks and the Egyptians, and thus he visited Amon's temple in the Western Desert in order to show respect for the Egyptian major deity, and perhaps more importantly, to gain the priests' support. At any rate, and regardless of the success or failure of this attempt in making the Egyptians accept their new invaders, the invasion initiated a new era that is unique in human history, the "Hellenistic Era". The era was characterized by the rule of the dynasties of the major leaders in Alexander's army over the various occupied territories. Ptolemaic dynasty (after Ptolemy I) ruled Egypt for about 300 years, Seleucid dynasty (after Seleucus) ruled the Eastern territories, and Antigonid dynasty (after Antigonus) ruled Greece. Due to its focus on science and knowledge that was exemplified in Alexandria Library and School , the Ptolemaic dynasty was particularly famous in history.
Nevertheless, it is not my goal in this short article to discuss the great achievements of the Alexandria School in astronomy, geometry, mathematics, and science. My goal is to discuss a particular invention that the Ptolemaic dynasty came up with in the beginning of their long rule, and that became a famous icon of Hellenistic paganism. Particularly, Ptolemy I introduced a new deity (Serapis) in an effort to mix the Egyptian and Greek deities. Egyptians were very proud of their own deities who often had anthromorphic characteristics (i.e. they mixed animal and human characteristics). Greeks, on the other hand, were not used to these kind of deities that were portrayed as animals. So the idea was to introduce this god, Serapis, who was a combination of Apis (the "bull" deity of Memphis) and Osiris (the Egyptian god of the afterlife, usually depicted as a man). Serapis was depicted with a Greek outlook that was very similar to that of Zeus, but was also depicted as a bull in relationship to Apis, its origin.
Indeed, Serapis was a very successful attempt. It gained a lot of popularity among Egyptians with its main temple in Alexandria (the Serapium) turning into a focal point of the Hellenistic civilization. Was it popular in all Egypt? Did the Egyptians give up their own deities? No... and that's the key point of the Hellenistic era and its successor, the Roman era. Serapis is but one example of the exchange of deities across the territories. Osiris and Isis became widely worshiped and indeed very popular in various parts of the Greco-Roman world. They were worshipped in Rome! Egyptians, on the other hand, imported many deities from the East and the West alike! Basically, the idea was to accept the plurality of deities and free exchange of them across the Mediterranean. Of course, this is not to say that the invaders were not trying to impose their own deities upon the defeated but they did not have a problem in, besides exporting their deities, importing the deities of the defeated, or combining them with their own deities, as what happened with Serapis.
Classical paganism was very tolerant when it came to religion... But in fact, this was not an exceptional episode in human history. Actually, human beings lived for a million of years before the emergence of Monotheistic religions without religious wars and with a very high level of religious tolerance. I am not saying that humans were not fighting then... Of course, they were fighting on food and shelter, but I can safely claim that they were not fighting over gods and the road to heaven. Yet, the emergence of Judaism, Christianity, and Islam, in chronological order changed the human lot! For the first time, these religions, that by the way appeared very very very recently in human history, claimed that there is only ONE god and more importantly, that they know him (her for feminist readers?), and hence they rejected all the deities of the pagan world. Jews became an isolated closed group of Chosen people who viewed all the other people as astray. Christianity and Islam were supposedly more open, however, they assumed that they "know" while the others do not know, and they used the carrot and the stick in making the other know!
When Christianity emerged in the Roman world, the people thought that Christians wanted to add Jesus to the list of deities that they already had, and they did not have any problem with that! However, Christians insisted on rejecting all these deities and having ONLY Jesus; something that was unacceptable to the mentality of the people at the time. Christians suffered persecution and intolerance perhaps as a result and finally managed to win by having the Roman emperor Constantine converting to Christianity when he was dying. Then Christians burned all the pagan temples, and ended this period of darkness in human history!
Islam, later on, did pretty much the same, but it did not wait to be persecuted. It started right away with a series of holy wars that converted half of the Roman world to Islam (the half that became known as the Arab/Islamic world starting from that point onwards). What remains striking to me in all this evolution of religions is how human beings evolved from religious tolerance and plurality of deities during most of their history to religious intolerance and monotheism with the rise of Judaism, Christianity, and Islam.
I am writing this article, while I am observing insane religious clashes in my home country, Egypt, between Christians (the descendants of those who did not convert to Islam upon the Islamic conquest... they themselves were the descendants of those who converted to Christianity from paganism some hundred years before the Islamic conquest) and Muslims (the descendants of those who converted twice to Christianity and then to Islam plus those who immigrated to Egypt)... Such clashes make me think and impose the question: Why is it so hard to invent a Serapis nowadays?

Tuesday, May 3, 2011

An Interesting Reading: Animals' Lawsuit Against Humanity by Ikhwan Al-Safa'


A mysterious group in the Islamic world which existed around the 10th century AD, Ikhwan Al-Safa' (Brethren of Purity) is considered a "heretical" group by mainstream Sunni Muslims. Once the Abbassid Caliph Al-Mustangid ordered that their "rasai'l" (treatises) be burned wherever found. The treatises, however, made their way to our hands and being an "encyclopedia" in the proper sense of the word, they probably constitute one of the earliest encyclopedias Man has ever invented. Ikhwan Al-Safa' remain until today a controversial group in the history of Islamic thought. The identity of the members of the group was never revealed since they were a secret group, which adds to their mysterious character.
The interesting thing about their treatises is how open-minded and progressive their ideas were even by today's standards. Ikhwan Al-Safa' saw the supreme being in all forms: in Allah, in the Christ, and even in Paganism. They considered all these as Muslims. Their view of Islam was that of a wide and tolerant view that encompassed all religions and surpassed all boundaries.
The reading that I want to share here is one of their treatises entitled "The Animals' Lawsuit Against Humanity". In this treatise, Ikhwan Al-Safa' provide a very intriguing and exciting story that forces you to think and to contemplate on the question of the centrality of human beings. Given that the treatise was written in the tenth century, it is truly genuine. The treatise tells the story of animals who complain to the king of Jennies about the bad treatment they receive from human beings who think of themselves as superior to animals and hence entitled to treat animals as slaves. In the complaint, the dialogue is so deep and mind-taking that it makes you question these ideas: Are we, as human beings, central? Are we superior?
This idea of human beings' centrality is central to most religions, at least, the monotheistic ones, and it is, in my opinion, a very narrow-minded view of the world and the universe. Human beings came to existence about a million years ago as Homo Sapiens evolved from their ancestors around that time. The Earth, of course, existed long before, and had all sorts of life and animals long before Man came to being. If we add to this the fact that Earth is just one planet in a universe that contains an extremely large number of galaxies, each containing another huge number of stars, and each with some planets rotating around. If we put all this into perspective, the Solar system appears as a tiny, indeed very tiny, thing, and the Earth, which is one of its humble-sized planets, appears even tinier. So if this is the case, I do not absorb the idea that Human beings think that they are the "only" wise beings in the universe. Even within Earth, I think that Human beings, as expressed by the animals in the treatise, have indeed very few abilities to boast about. Human beings are slow, in fact very slow, compared to other animals. Their senses are weak or at best moderate. Of course, they are smart. That's true. But we are judging this from our own perspective which we cannot get over. In other words, this is an extremely biased view to think of ourselves as superior to animals since in reaching such judgment we are just bounded by this very mental faculty we are boasting about. We cannot see ourselves from outside. We are just inside and we'll forever be inside.
Another interesting point in the treatise is its amazing ideas on evolution. Yes. Evolution! In a tenth century treatise! It talks about the order of animals in the universe, and which animals follow others in rank. Again, evolution, as opposed to creation, shakes human feeling of superiority and perhaps security.
This is definitely a book that is worth reading and deep thinking!

Monday, April 25, 2011

(التخطي والحدود والحرية - حول ماهية الأخلاق (قصة قصيرة

وقف يرص السجلات القديمة المتربة بيديه المعروقتين على الأرفف المتهالكة والسيجارة لا تفارق فمه. تمتم بصوت لا يكاد يسمع:

  • - الله يلعن أبوهم عالم ولاد كلب.. كمبيوتر قال وأطران على دماغهم وفي الآخر أنا اللي أنظم وأرتب..

بدا عليه الضيق الشديد وهو يبحث عن مكان إحدى السجلات بإصرار ثم يأس. مرت ثوان معدودة من البحث حتى وضع السجل على رف عشوائي وهو يسب ويلعن قائلا:

  • - إنت هتقرف أمي ليه؟ أهه اتنيل خليك هنا لحد ما يبان لك صاحب..

نفض يديه من الأتربة وأطفأ نور المخزن وهو يخرج من الحجرة. أغلق الباب بالمفتاح عندما سمع صوتها الخافت تقول:

  • - داهية تاخدك يا بعيد.. بقى أنت يا منيل بتنصب علي؟

تحول الضيق البالغ على وجهه إلى ابتسامة واسعة وقال بصوت ناعم:

  • - وفاء.. ازيك؟

لم يبد عليها التأثر بابتسامته. قالت بإصرار:

  • - بقولك إيه يا زفت الطين.. الحركات بتاعتك دي مش هتخيل عليّ.. إنت صحيح خدت فلوس مكافأة من ورانا؟

قال بتلقائية:

  • - من ورا مين؟
  • - اللهم طولك يا روح.. من ورايا أنا وبقية رؤساء المخازن.. عرفت إنك خدت فلوس من الراجل اللي جه يعمل شجرة عيلة..
  • - يا حول الله يا رب من الإشاعات.. وإنتي برضه تصدقي الكلام ده عليّ يا حاجة؟.. وإن جاءكم فاسق..

قاطعته قائلة:

  • - متعمليش فيها عمر بن الخطاب.. والله ما فاسق إلا إنت.. وبعدين لخص وجيب الفلوس بدل ما أعلي صوتي وأجيب لك جرجس وعبد الكريم..
  • - يا وفاء والمصحف الشريف ما خدت حاجة..
  • - يا داهيتي عليك راجل.. بتحلف كدب؟.. إنت يا راجل مش مكسوف من نفسك؟ ده إنت بنتك على وش جواز..
  • - يا وفاء ده احنا عشرة عمر.. معقولة يعني أعمل الكلام اللي بتقولي عليه ده؟
  • - ما هو احنا علشان عشرة عمر لزماً أصدق.. هو إنت يعني أول ولاّ آخر مرة تعملها؟.. اخص عليك راجل.. والله عمرك ما هتتغير.. طول عمرك وحش في موضوع الفلوس.. عادتك ولا هتشتريها؟

بدا عليه نفاد الصبر. تلفت حوله في حذر قبل أن يقول بصوت خفيض:

  • - يا ولية حرام عليكي والله.. دول ملاليم.. إنتي بس فاكرة إن تحت القبة شيخ.. أنا لو الموضوع مستاهل والله كنت قلت.. هو أنا يعني من امتى باخبي؟
  • - خش في عبي يا واد.. الراجل شكله مستريح..
  • - بلا نيلة ده إيحة.. الموضوع كله عشرة جنيه عُمي.. شفتي بقى إنك عاملة قصة من غير قصة؟
  • - بقولك إيه؟ وديني شكلك ما هتجيبها لبر.. عشر مصايب لما يلهفوك.. إيدك على خمسين جنيه.. وبعدين احنا لازم نقول لجرجس وعبد الكريم.. الحق حق..

احتد صوته قائلا:

  • - خمسين إيه وزفت إيه؟.. وبعدين جرجس مين؟.. إنتي عاوزة تدخلي الصليبي ده بيننا ليه؟ ده حتى حرام..
  • - يا راجل والله ده إنت هتشيل ذنوب بشعر راسك.. جرجس عمره ما بيتأخر على حد فينا.. والراجل طول عمره في حاله.. لكم دينكم ولي دين..
  • - طيب ياللا يا اختي خلي جرجس ينفعك.. وبعدين أنا اللي تعبت في شجرة عيلة ابن الكلب ده.. خدي العشرين جنيه وكل سنة وانتي طيبة يا أم علاء.. ورحمة أمي ما اخدت غير خمسين جنيه.. يعني كده قسمة حق..

تأففت قائلة في يأس:

  • - عمري ما بعرف أغلبك يا ابن اللئيمة..

قالتها وهي تخطف العشرين جنيها من يده في خفاء. قال في تلطف:

  • - بس أخبار علاء إيه؟ كلمتي المدير عليه؟

علا وجهها حزن مفاجئ. قالت بتأثر:

  • - والله الواد يا كبدي من غير شغل بقاله أهه أكتر من خمس سنين.. يعني علام ومصاريف وجامعة وفي الآخر يقعد جنب أمه.. والنبي ده في شرع مين؟.. رحت كلمت المدير قاللي لأ يعني هو كل واحد هيجيب واسطة علشان يشغل ابنه في الحتة اللي هو فيها؟ دي كده هتبقى عزبة.. وقعد يديني محاضرة في مكارم الأخلاق..

تنهد وهو يقول:

  • - ما هو ده شرع الحكومة.. هي بس اللي تسرق وتتوسط.. داهية تاخدهم كلهم..

رفع صوته قائلا:

  • - صباح الفل يا كلب.. عامل إيه يا عبد الرحيم؟

رد عبد الرحيم بصوته الجهور المتحشرج:

  • - مش بارتاح أنا للكلام المداري اللي على جنب ده.. بتقسموا طبعا.. وأنا مش لاقي تمن جزمة بدل اللي اتهربدت دي..

ردت وفاء بنبرة ضاحكة:

  • - الله يهدك يا عبد الرحيم.. يا خويا نقسم إيه وبتاع إيه؟.. هو الواحد فينا لو كان بيقسم كان هيبقى ده حالنا..

ثم بسخرية:

  • - وبعدين يا خويا إنت مش ناوي تعتق الجزمة دي صحيح؟.. دي من عمر علاء..

رد عبد الرحيم ضاحكا:

  • - والله بافكر أغيرها يا أم علاء بس خايف علاء يزعل..

ثم غامزا:

  • - بتوهي المواضيع وباعديها بمزاجي.. بس وديني المرة الجاية ما هاسيبكم.. ولاّ يعني علشان بقيت فراش أضيع في الرجلين؟.. لا ده أنا بكالوريوس آداب بس هو الزمن اللي ندل وخلاني كده..

رد عليه قائلا:

  • - يا عم حل عن نافوخنا بقى بالبكالوريوس بتاعك ده.. ويعدين اللي خلاك كده زفارة لسانك مش الزمن ولاّ نسيت الشتايم اللي قلتها لسعاد يوميها واتنقلت بسببها؟.. ده كتر خيرهم إنهم سابوك بتشتغل بدل ما يمشوك..
  • - ماشي يا عم المحترم..

ثم بصوت جهور موجه للجميع الذي لم يكن حاضرا:

  • - أهه قاعدين يهزءوني علشان ظبطهم وهم بيسرقوا.. سامعين يا حيوانات؟

قالها وهو يمشي مبتعدا. فقال لوفاء:

  • - ياللا أروح أنا المكتب بقى.. سلميلي على علاء..

دخل المكتب فعاجله شاب يرتدي نظارة طبية بالسؤال:

  • - يا أستاذ صادق مش احنا اتفقنا إن أي سجل لازم يتسجل هنا على الكمبيوتر الأول قبل ما يخرج من المخزن؟
  • - أيوه يا سيدي.. عاوز إيه من سي زفت صادق؟





رن تليفونه المحمول فرد قائلا:

  • - ألو.. أيوه يا محمود.. عامل إيه يا ابني؟.. كلمتك امبارح ستين مرة وإنت حالقلي.. طبعا طبعا ما أنا فاهم.. بس ضروري والنبي علشان علاء ده أمره يهمني.. يعني يا ريت بس نشبكه في الإدارة عندكم.. تمام.. تمام.. ماشي.. وعليكم السلام..


************************************

محمد صالح

لوس أنجلوس 10/4/2011