

"What can be said at all can be said clearly.. What we cannot talk about we must pass over in silence", Ludwig Wittgenstein
وقف يرص السجلات القديمة المتربة بيديه المعروقتين على الأرفف المتهالكة والسيجارة لا تفارق فمه. تمتم بصوت لا يكاد يسمع:
بدا عليه الضيق الشديد وهو يبحث عن مكان إحدى السجلات بإصرار ثم يأس. مرت ثوان معدودة من البحث حتى وضع السجل على رف عشوائي وهو يسب ويلعن قائلا:
نفض يديه من الأتربة وأطفأ نور المخزن وهو يخرج من الحجرة. أغلق الباب بالمفتاح عندما سمع صوتها الخافت تقول:
تحول الضيق البالغ على وجهه إلى ابتسامة واسعة وقال بصوت ناعم:
لم يبد عليها التأثر بابتسامته. قالت بإصرار:
قال بتلقائية:
قاطعته قائلة:
بدا عليه نفاد الصبر. تلفت حوله في حذر قبل أن يقول بصوت خفيض:
احتد صوته قائلا:
تأففت قائلة في يأس:
قالتها وهي تخطف العشرين جنيها من يده في خفاء. قال في تلطف:
علا وجهها حزن مفاجئ. قالت بتأثر:
تنهد وهو يقول:
رفع صوته قائلا:
رد عبد الرحيم بصوته الجهور المتحشرج:
ردت وفاء بنبرة ضاحكة:
ثم بسخرية:
رد عبد الرحيم ضاحكا:
ثم غامزا:
رد عليه قائلا:
ثم بصوت جهور موجه للجميع الذي لم يكن حاضرا:
قالها وهو يمشي مبتعدا. فقال لوفاء:
دخل المكتب فعاجله شاب يرتدي نظارة طبية بالسؤال:
رن تليفونه المحمول فرد قائلا:
************************************
محمد صالح
لوس أنجلوس 10/4/2011
هل تعرف؟!
"قصة قصيرة"
"استرخِ تماماً.. استرح"..
تمتم الطبيب النفسي بهذه الكلمات بطريقة روتينية تنم عن طول اعتياده ترديدها لكل مريض يزور عيادته.. واستجاب x فوراً فألقي جسده المتعب على المقعد الوثير المقابل لمقعد الطبيب، لكنه، وقبل أن يمس جسده المقعد، انتفض واقفاً مرة أخرى ووجهه تبدو عليه إمارات الهلع والذعر، فما كان من الطبيب إلا أن ابتسم ابتسامة واسعة تخفي وراءها سخرية كامنة، وقال في عطف ظاهر:
مرت لحظات و x يرتعش في خوف واضح قبل أن يتمالك أعصابه ويقول:
ضحك الطبيب ضحكة قصيرة ثم قال:
وقف x مدهوشا للحظات.. من المستحيل أن يكون ما رآه وهماً.. ولكن هيهات.. أليست تلك الأوهام اللعينة هي السبب في مجيئه إلى هنا؟.. أليست تلك الأوهام العصبية هي منغص حياته منذ مولده؟.. فليكن العقرب وهماً إذن!!..
"هيا استرخِ تماماً"..
حاول جاهداً أن ينفض عن ذاكرته مشهد العقرب حتى يتسنى له شيء من الاسترخاء، وأخذ يتلفت حوله بعينيه في شك وهو يحشر بدنه حشراً داخل المقعد الوثير، ثم ركز عينيه على الطبيب والأخير يقول بلهجة آمرة:
اغمض عينيك!.. ركز أفكارك!.. تذكر!.. نعم أتذكر فقد عمدت قبل حضوري إلى هنا إلى تذكر كل شيء ومراجعته جيداً حتى لا أجلس أمام الطبيب كالطالب الفاشل..
قاطعه الطبيب ضاحكاً وهو يقول:
بدا على x الضجر من سذاجة السؤال وأجاب بلهجة تنم عن نفاد صبره:
قاطعه الطبيب مرة أخرى وهو يقول بحدة:
بدا على x الضيق الشديد.. كان دائماً يشعر بالضيق عند تعرضه للإهانة.. لكنه حاول أن يخفي ضيقه وعاد ليقول في هدوء:
هز الطبيب رأسه كعلامة على تفهمه للموقف ثم قال:
بدا على x خيبة الأمل وهو يقول:
أجاب الطبيب في سأم:
كان يردد الكلمة الأخيرة وهو يعد جهاز التسجيل الموضوع على مكتبه فانتظرت قليلاً حتى فرغ من ذلك وبدأت أتكلم..
أنا خائف.. الكل من حولي قد لاحظوا مرضي.. إنهم يقولون إنني أتوهم أشياء وأشخاصاً وأحداثاً لا وجود لها.. والدي قال لي ذات مرة "إنك لن تعرف الحقيقة أبدا لأنك ولدت محملاً بالأوهام، تماماً مثل من ولد أعمى فإنه أبدا لن يعرف الألوان".. والدتي كانت دائماً تنظر إلىّ بشفقة.. لقد فقدت الثقة بنفسي تماماً.. أنا حتى أكاد لا أكون متأكداً ما إذا كانت والدتي قد ماتت في ذلك اليوم المشئوم.. يوم أن سقطت بين ذراعي.. أم أنها لا تزال حية.. ربما كانت حية.. وأنا لا أراها.. ما الذي يمنع من حدوث ذلك؟..ألست أنا "أبا الأوهام" كما أطلقوا عليّ؟!.. أحيانا أتساءل: كيف تبدو الحياة لأولئك الأصحاء؟.. هؤلاء الذين لا يعانون من الأوهام.. هل تبدو لهم أكثر وردية وإشراقاً؟. هل تبدو لهم أكثر معقولية؟.. هل أنا مجنون؟.. الغريب أن الأوهام لديّ انتشرت في كل حواسي فلم تسلم منها حاسة.. ذات مرة ظننت أن الوهم ناشئ عن الإبصار وقررت أن ألمس الأشياء لأتأكد من وجودها.. اللمس.. تلك الحاسة التي تشعرك بالوجود المادي الواقعي.. رأيت فأراً ضخماً يجري.. قررت أن ألمسه.. برغم كل التقزز الذي شعرت به، لكني أمسكت به بالفعل.. وإذا بمن حولي يقولون أنه كان وهماً.. كيف؟.. لقد رأته عيناي وأمسكته يداي.. هل يكذبون؟.. ولماذا يكذبون؟..
تساقطت الدموع من عينيه من فرط الانفعال، فبدا التأثر على وجه الطبيب، ولكنه سرعان ما قال بلهجة الخبير:
هز x رأسه في يأس وهو يقول:
ثم أجهش في البكاء وهو يقول:
توقف فجأة عن الكلام.. إنه يري ذئباً.. يا له من وحش كاسر!!.. كيف تسنى له الدخول إلى هنا؟.. هيهات.. إنه وهم جديد.. لكني خائف!!..
"ماذا هنالك؟" تمتم الطبيب بهذه الكلمة في قلق وهو ينظر إلى عيني x الزائغتين، لكن x كان مشغولاً بمشهد آخر.. الذئب ينوي الانقضاض على الطبيب.. هل أنبهه؟.. لكنه سيسخر مني.. وهو على حق..
دوت صرخة هائلة من فم الطبيب إثر انقضاض الذئب عليه، واندفع الدم كالفيضان من عنقه.. وما هي سوى لحظات حتى اندفعت الممرضة إلى الحجرة لترى ماذا يجري؟؟... لقد هوت على الأرض فاقدة الوعي من بشاعة المنظر..
أسمع أصوات الناس في الشارع يتحدثون عن هروب ذئب من حديقة الحيوان.. أما من منقذ؟.. ولكن هيهات.. اهدأ.. لا تحاول الهروب!!.. إنه مجرد وهم.. ربما لن تفيق منه أبدا.. لكنه وهم..
الذئب يقترب مني ودم الطبيب يسيل من فمه.. لن أحرك ساكناً.. يقترب!!.. يا للفزع!! لقد انقض عليّ!! ألم رهيب.. رهيب.. رهيب.. هل سأموت؟.. هل سأموت حقاً أم أنه وهم؟.. أشعر بأنفاسي تختنق.. تتحشرج.. أفقد الوعي بما حولي.. أفقد القدرة على تحريك أعضائي.. أهوي إلى الأرض.. تخفت مشاعري.. رويداً.. رويداً.. رويداً.. جهاز التسجيل يردد "إنك لن تعرف الحقيقة أبدا لأنك ولدت محملاً بالأوهام، تماماً مثل من ولد أعمي فإنه أبداً لن يعرف الألوان".. وداعاً!!..
شيطان المساء
"قصة قصيرة”
دقت أجراس الدير، يخترق رنينها جدار السكون, معلنة حلول موعد صلاة المساء، فأسرعت خطاي مهرولة حتى أتخذ موقعي بين الراهبات. وبدأنا الإنشاد على أنغام القيثارة الحزينة.. أناشيد.. طقوس.. ابتهالات.. أشعر بمشاعر شتى.. أشعر بالخوف من مقدم الرهبان.. هل سيحدجني بذات النظرة الصارمة التي تؤلمني بل تصيبني بالفزع؟.. يا لها من حياة!.. ماذا سأفعل بعد الصلاة؟.. هل سأخلد إلى النوم أخيراً بعد هذا اليوم الشاق؟.. يا ترى كيف تكون الراحة؟.. يا ترى كيف يكون التعب؟..
وتجمعت داخلي مشاعر الراحة والرجاء والتعب والخوف والألم كلها في آن.. وأخذ فمي يردد تلك الأناشيد الكهنوتية المحفوظة بطريقة ميكانيكية آلية، لولاها لما احتفظت بموقعي بين الراهبات.. أنا لم أزل صغيرة.. لكني لا أعرف كم أبلغ من العمر.. ربما سبعة عشر عاماً وربما أكثر أو حتى أقل.. لكنني صغيرة.. شيء ما بداخلي يؤكد لي ذلك.. أصر والدي على إلحاقي بهذا الدير.. لم أعترض.. كل شيء سواء..
ها قد انتهينا من الصلاة.. أسرعت الخطى نحو باب القاعة، يحدوني الأمل في الراحة.. حجرتي الحبيبة.. خلعت الثوب الأسود ونظرت إلى المرآة.. هل ذلك الكائن الممتعض هو "أنا"؟.. شحوب.. اصفرار.. ضعف.. ذبول.. لا يهم.. المهم أنني سأرتاح.. تماما.. نفضت الغبار من على وجهي.. لم أعد كما كنت في الماضي.. لكني لا أذكر كيف كنت..
وفجأة.. سمعت صوتاً بالشرفة.. لم أخف.. فتحت باب الشرفة بهدوء فطالعني بوجهه الباسم يقول:
لم أنبس ببنت شفة، ليس خوفاً وإنما ذهولاً، وأخذت أحدق في وجهه في صمت فقال ضاحكا:
رددت بلا وعي كالمنوم تنويما مغناطيسيا:
قال ساخراً:
لقد أهانني.. علّمنا يسوع أن نسامح ونغفر.. أشعر أني أعرف ذلك الرجل.. منذ قرون سحيقة مضت.. قسمات وجهه.. شعره.. فمه.. قلت له متسائلة:
دخل الحجرة وأغلق باب الشرفة وراءه وهو يقول:
عبارة ذو وقع شاذ.. لا يهم!.. لكني استشعرت في عينيه شيئاً من الرغبة، وتذكرت فجأة أنني عارية لا أرتدي سوى ثوب شفاف، فأسرعت إلى الثوب الأسود الملقى على الأرض كما علمني الدين والمجتمع، وقبل أن تمتد إليه يدي المتأهبة، أمسك بيدي في شيء من العنف أو هكذا أحسّت يدي التي لم يلمسها رجل من قبل, وقال بحدة:
كيف يجرؤ على لمس يدي؟!.. حاولت جاهدة التملص من قبضته لكني فشلت فقلت له بشيء من الحدة حاولت أن تبدو واضحة في نبرات صوتي:
قال في حيرة:
نظرت إليه صامتة والتقطت يدي الثوب فارتديته على عجل.. كان ينظر إليّ بغير اهتمام.. بغير رغبة.. قلت له في صرامة:
قال ببراءة:
وقبل أن أتساءل أو حتى أندهش عاجلني بالحديث قائلاً:
تعجبت من سذاجة السؤال, لكني سرعان ما أدركت السخرية الكامنة في حروفه، فتجاهلت هذا الإدراك وقلت:
تساءل:
فاجأني سؤاله الوقح فقلت له بحدة:
هز كتفيه بلا مبالاة وقال:
حقاً.. لست أدري.. لقد فطرت على الإيمان بالرب.. الآب.. الابن.. الروح القدس.. لا أستطيع أن أتصور نفسي ملحدة.. إنها الفطرة!.. أو قل إنها الصدفة!.. الظروف.. إيمان مكتسب.. لست أدري.. كل شيء سواء.. لكني لا أستطيع أن أظهر هذه الحيرة أمامه فقلت له بهدوء وأنا أخفي ما عساه يبدي ما بداخلي:
هز كتفيه مرة أخرى قائلاً:
يا لها من عبارة.. اندهشت لهذه النتيجة السريعة، فلم أتصور أن أنتصر بهذه السرعة، ولم أتصور أن اتخاذ قرار مصيري كذلك يمكن أن يتم بهذه البساطة، فبادرت بإلقاء السؤال:
قال بهدوء:
وقبل أن أفكر في مغزى كلامه بادرني بالسؤال:
قاطعني في حدة قائلاً:
قلت في حدة قصدت أن تكون مماثلة لحدته:
ثم سأل فجأة:
صحت في وجهه قائلة:
ثم بجدية بالغة:
قال ضاحكا:
قلت له بصرامة:
قال مداعباً:
ماذا يريد مني هذا الشيطان؟.. أنا خائفة!.. ارتعدت أوصالي فجأة.. رمقته بنظرة صارمة أو هكذا كنت أريدها.. قال لي بسخريته القاتلة:
قلت له بذات الصرامة:
قال بلا مبالاة:
وقع عليّ السؤال كسيل مفاجئ.. صرخت قائلة:
قلت له وأنا أسترجع خلاصة ما تعلمته:
أنا مازلت صغيرة.. صغيرة.. المجتمع والعقيدة ورائي.. كلا.. أنا أريد.. أرغب.. لست أدري.. ماذا أفعل؟.. وبلا تفكير.. انمحت كل الحواجز في لحظة فاستيقظت بداخلي المرأة والرغبة.. أمسكت وجهه بعنف ثم انهلت عليه تقبيلاً.. تقبيلاً.. تقبيلاً.. جبهته.. عينيه.. فمه.. وجنتيه.. عنقه.. لأول مرة أحس بوجه رجل يلامس وجهي.. يا لها من لذة!.. ياله من شعور!.. يا ترى كيف تكون اللذة الجنسية؟.. أنا إنسانة.. راهبة.. كل شئ سواء..
لم يبد في وجهه شيء من التأثر.. كصنم أو حجر صامت.. ماذا فعلت؟.. أنا فاسقة.. خنت يسوع.. كلا.. لقد خنت المجتمع.. نظرت في المرآة.. يبدو عليّ الإجهاد.. التعب.. رغبات مكتومة مكبوتة كمارد يريد الانطلاق من عقاله.. تباً للمجتمع!.. سحقا للعقيدة!..
أخذت أضحك.. أضحك.. لكني لا أتحمل الخطيئة.. الهوان.. تأنيب الضمير.. أسرعت إلى سكين ملقى بجانب الفراش.. انهلت عليه طعناً.. طعناً...طعناً.. كمن يريد وأد كل شطحاته ورغباته..
نظرت إلى المرآة.. شعرت بآلام حادة في جسدي.. لم أجده في المرآة.. ولا في الحجرة.. ولا في أي مكان على أرض الواقع.. لم يكن موجودا سوى بداخلي.. لم أجد سوي الدم يسيل من صدري.. تباً للحياة!!.. تباً للموت!!..
العبد
"قصة قصيرة"
كان ممسكاً بخرطوم مياه في يده، منهمكاً في ري حديقة غناء مترامية الأطراف.. حديقة حفظ كل ركن فيها عن ظهر قلب.. انحفرت في ذاكرته أشجارها الباسقة.. وأشجارها الضئيلة الذابلة.. علقت في قلبه أزهارها زهرة زهرة.. حشائشها.. حشراتها.. وذلك من كثرة ما رآها في حياته القصيرة.. الخالية من كل معنى.. المجردة من كل مغزى..
كانت حديقة شاسعة.. أو هكذا تخيلها منذ طفولته, ونما معه هذا التخيل يوما بيوم دون أن يحاول التأكد من صحته.. ربما لأن هذا لم يكن شيئا مهما يستحق بذل الجهد..
كانت حديقة حزينة.. كئيبة.. طبع عليها حزنه وكآبته، وانطبع عليه حزنها وكآبتها.. فصار جزءاً منها وصارت جزءاً منه..
كانت تحيط بقصر منيف مهيب المنظر، يرحل بذاكرتك بعيداً إلى قصور أمراء أوربا في العصور الوسطي.. كان كالقلعة الحصينة المخيفة.. كم خاف من منظره، وكم تمني لو لم يكن القدر هو ذلك القدر ولم يكن "هو" ذلك الـ "هو".. ولم يكن المكان ولا الزمان ذلك المكان أو ذلك الزمان..
اقترب من سور الحديقة، وبدا أنه يقصد هدفاً معيناً اختاره بعناية.. كان الهدف عبارة عن ثقب ضئيل في السور، اقترب منه في حذر شديد وهو يتلفت حوله بين اللحظة والأخرى، قبل أن يضع إحدى عينيه على الثقب.. فانظر ماذا ترى؟!!..
رأى الطريق.. على جانبيه الأشجار الوارفة الظلال.. يمر به بين الحين والآخر أشخاص من بني الإنسان.. ومن بني الحيوان.. رأى الحياة.. رآها تدب بانتظام خارج حدود الحديقة الميتة.. إنه يتنفس أنسام الحرية التي حرم منها منذ نعومة أظفاره، منذ رأى الحياة..
لم يكن ثقباً صنعته الطبيعة الحمقاء.. أو خلفه عدم إتقان البناء.. كان ثقباً من صنعه هو.. صنعه ليرى الطريق.. ليرى الحياة..
دوت هذه العبارة في أذنه كالرصاصة.. وصاحبتها يد ثقيلة حطت على كتفه المسكين.. فألجمت المفاجأة لسانه الأخرس.. وإن أبعد رأسه بسرعة عن الثقب، وتحول بعنقه إلى مصدر الصوت الذي كان يعرفه ويحفظه عن ظهر قلب.. إنه صوت "السيد"!!.. يا للهول!!..
نظر في خوف شديد إلى عيني "السيد" الحادتين، وتلعثم كثيراً في النطق قبل أن يقول بصعوبة:
رمقه "السيد" بنظرة حادة كالسهم المارق، وقال في حدة:
اضطرب x ولم يستطع أن يخفي هذا الاضطراب أو لعله لم يحاول إخفاءه يأساً واقتناعاً بالفشل ونقص العبد أمام السيد.. لكنه حاول أن يستجمع خلاصة شجاعته وقال وهو يشيح بنظراته بعيداً عن عيني "السيد":
لطمه السيد لطمة قوية على خده الأيسر، اهتز لها جسده كله، وسالت بعض الدموع من عينيه بشكل لاإرادي.. قبل أن يحتضنه السيد بقوة اقشعر لها بدنه.. وتمتم السيد في تأثر:
بدا أن x قد ارتاح في حضن سيده فلم يبدي أية مقاومة بل أرخى رأسه على كتف سيده وأغمض عينيه بقوة.. مرت صورة "الطريق" سريعة أمام عينيه، ولم يحاول أن يهدئ مسيرها كي يمعن النظر إليها بل تركها تمضي كما مضت "الحياة".. ربما بلا عودة..
قطع شروده صوت "السيد" وهو يقول بشدة ملؤها الحنان:
تطايرت قطرات من الدموع من عيني x من فرط التأثر والانفعال، وقال بصعوبة بالغة:
رمقه "السيد" بنظرة ملؤها العتاب وهو يقول:
فاجأه السؤال رغم منطقه، فشرد قليلا قبل أن يقول:
حدجه السيد بنظرة غاضبة وقال بحدة:
بدا أن خضماً من الصراعات النفسية العميقة يعتمل في نفس x ، قبل أن يقول في جرأة كان هو نفسه أول المدهوشين لها:
قاطعه السيد في عصبية بالغة وهو يقول:
ثم اقترب منه في حنان وقال:
أجهش x في البكاء فجأة وقال وهو في غمرة حزنه:
كان ممسكاً بخرطوم مياه في يده، منهمكا في ري حديقة غناء مترامية الأطراف، عندما فوجئ بكرة صغيرة تسقط داخل الحديقة.. لقد أتت من الخارج.. من الطريق.. بل من الأرض الميتة..
سمع صوتاً يقول:
فزع للحظة.. ثم استغرب البقية الباقية من عمره.."سيدي".. هل هذا الصوت يناديه هو؟.. هل يخاطبه بـ "سيدي"؟.. هو.. أنا.. ذلك الكائن الذي لا يحمل اسماً من شدة خطاياه.. ذلك الكائن الذي لم يرد "السيد" أن يمنحه اسماً.. فبقي يخاطبني باسم " x "...
اقترب من سور الحديقة حتى وصل إلى الثقب الذي وعد سيده أنه لن ينظر منه للخارج مرة أخرى.. "السيد" وثق به ولم يرد أن يسد الثقب فهل هو أهل للثقة؟..
لم يفكر كثيراً بل ألصق وجهه على السور ونظر من الثقب فرأى طفلاً صغيراً يبكي بشدة.. إنه الحياة.. رفع صوته قائلاً:
اقترب الطفل من الثقب، فابتعد هو عنه كي يتسنى للطفل رؤيته.. لم يرد أن يرى الطفل عينه فيسبب له شيئاً من الفزع.. إنه يكفر عن خطيئته القديمة.. يوم قتل الطفل المسكين.. سمع الطفل يقول:
وبلا تفكير.. أسرع العبد نحو الكرة وقذفها للخارج، ثم نظر مرة أخري من الثقب فرأى الطفل يقفز من الفرحة ويقول:
كنت ممسكاً بخرطوم مياه في يدي، منهمكاً في ري حديقة غناء مترامية الأطراف، بيدي سكين.. رأيت "السيد" يقترب.. لم أفزع.. صحت قائلاً:
ألجمت المفاجأة لسان "السيد" فانتهزت الفرصة وأكملت حديثي قائلاً:
أخذ يردد عبارة "أريد الحياة" بطريقة هستيرية وهو يغمد سكينه بقلب "السيد", قبل أن يصرخ ويصيح:
كنت ممسكاً بخرطوم مياه في يدي, منهمكاً في ري حديقة غناء مترامية الأطراف.. أمنحها الحياة.. لي قيمة بدونه.. بدون "السيد"..
أسقي من يشعر بالظمأ.. أحنو على من يتألم من شدة القيظ.. أمنحه الحياة.. أمنحه الحياة.. أنا الطريق.. أنا الحياة..